بدأت العلاقة بين منظمة التحرير والثورة الإسلامية في إيران في أحد أيام شهر شباط من العام 1979م ، لم يكن الأب الروحي للثورة ومرشد الجمهورية فيما بعد، روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني، قد أمضى عدة أيام فحسب في طهران بعد أن عاد إليها من منفاه في باريس حتى عاجله وفد من منظمة التحرير يضم 58 عضوًا برئاسة أبو عمار بزيارة مفاجئة وبدون دعوة مسبقة.
اجتهد الإيرانيون في إكرام أبو عمار قائد الثورة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير وفي إحسان ضيافته قدر المستطاع، كانت القدس وفلسطين حاضرتين دائما في شعارات وخطابات الثورة وقيادتها وجزءا لا يتجزأ من وجدان الثوار الإيرانيين وكان اللقاء بقائد الثورة الفلسطينية وممثلين عن ما اعتُبر رأس الحربة في المواجهة ضد الكيان الصهيوني تجربة فريدة بالنسبة للثوار. التقى أبو عمار مع الخميني وقد كان المرشد سعيدًا جدًا بهذه الزيارة حتى قال بعض مساعديه أنها كانت المرة الأولى التي يُشاهد فيها الخميني مبتسمًا منذ فترة طويلة جدًا، بل ربما كانت هذه هي ابتسامته الوحيدة التي وثقتها الكاميرات، قام الخميني بتسليم أبو عمار مفاتيح المقر السابق للسفارة الإسرائيلية ليكون مقرًا لمكتب المنظمة في طهران وهو المكتب الذي تولى هاني الحسن مسؤولية إدارته كأول ممثل للمنظمة في إيران، تجول أبو عمار في المدن الإيرانية الكبرى برفقة أحمد الخميني وألقى خطابات حماسية أمام الجماهير العريضة التي احتشدت في الميادين العامة ، برزت زيارة أبو عمار للجمهورية الإسلامية والحفاوة التي لاقاها هناك في الإعلام العالمي وأظهرت أن صداقة عميقة ستنشأ بين إيران ومنظمة التحرير على جميع المستويات وأن دعمًا غير مشروط ستمنحه السلطات في إيران ما بعد الثورة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة عبر المنظمة كممثل رسمي، أوصى الخميني بأن يُطلق اسم فلسطين على عدد من الساحات والشوارع في المدن الإيرانية الكبرى كما ظهرت اللافتات والبوسترات التي تحمل شعارات مؤيدة لفلسطين وقضيتها في كل مكان في إيران. لقد كانت الأمور كـ "شهر عسل" بين الطرفين.
يُمكن القول أن “شهر العسل” هذا بين إيران والمنظمة قد كان ضمن الأقصر في تاريخ شهور العسل في العلاقات الدولية في العصر الحديث ولم يستمر سوى تسعة أشهر فقط .. تسعة أشهر .. كانت هي المدة الكافية ليقوم أبو عمار بأول خطوة في تدمير العلاقات بينه وبين النظام الإيراني الجديد، في نوفمبر 1979 حاصرت جموع غاضبة مقر السفارة الأمريكية في طهران وقامت بمهاجمة ديبلوماسيي الشيطان الأكبر والعدو الأول للجمهورية الإسلامية، ولأن العلاقات الديبلوماسية بين منظمة التحرير والجمهورية الإسلامية كانت في أوج تألقها، فقد وجدت الإدارة الأمريكية فيها فرصة من أجل التدخل وتحرير الرهائن الأمريكيين، وبذا فقد طلبت المخابرات الأمريكية عبر عميل لها يعمل في بيروت من أبو عمار ان يتدخل لدى الإيرانيين لتحرير رهائنهم، ما الذي كان يفكر به أبو عمار بالضبط؟ وما الذي جعله يستجيب بسرعة لهذا الطلب بإرساله وفدُا من فتح يرأسه سعد صايل للقيام بالمهمة؟ على الأغلب كان يظن أنه سيكسب حظوة لدى الإدارة الأمريكية، أو أنه سيكون قادرا على طلب خدمة مقابلة من الإدارة الأمريكية في وقت لاحق، وقد ظن أن بإمكانه ان يقنع الإيرانيين بذلك فحفاوة الاستقبال التي حظي بها في طهران قبل عدة أشهر جعلته يظن أن قيادة الثزرة لن ترفض له طلبا، وهكذا، وللمرة الثانية خلال فترة قصيرة تهبط طائرة الوفد الفلسطيني الذي أرسله عرفات برئاسة سعد صايل في طهران للقيام بزيارة مفاجئة، ولم يتلق الوفد ذات القدر من الحفاوة والترحيب بعدما علم الإيرانيون الهدف من الزيارة، وقد فشلت وساطة سعد صايل ورفضها الإيرانيون وغادر طهران تاركًا ثوارها مصابين بخيبة أمل.
كانت تلك نقطة البداية لمسار طويل من العلاقات المتوترة بين منظمة التحرير والثورة الإسلامية الإيرانية
اندلعت الحرب الإيرانية العراقية في سبتمبر 1980م، وكان موقف منظمة التحرير الذي يتردد ما بين تأييد العراق أولًا والوقوف في موقف الحياد ثانيًا سببًا في ازدياد توتر العلاقات بين المنظمة وإيران، اختار أبو عمار في النهاية أن يكون جزءًا من محاولات منظمة المؤتمر الإسلامي وحركة دول عدم الانحياز لإنهاء الحرب بطرق سلمية، وعندما قام بزيارة إيران في 1981م حاصرت جموع غاضبة من الإيرانيين مقر إقامته في فندق الهيلتون بسبب موقفه من الحرب.
زاد الطين بلة تصريح لأبو عمار في خطابه الذي ألقاه أمام اجتماع القمة العربية المنعقد في نوفمبر 1981م في فاس – المغرب، والذي قال فيه أن مستعد للخوض في غمار عملية السلام مع الكيان الصهيوني تحت رعاية أمريكية، فالحوار مع العدو الصهيوني تحت مظلة الشيطان الأكبر كان أسوأ ما يمكن أن يفعله أبو عمار في نظر الإيرانيين في ذلك الوقت، وقد عبر عن ذلك – مسبقًا – قائد الحرس الثوري الإيراني محسن رفيق دوست في خطاب ألقاه أمام مؤتمر حركة فتح الرابع المنعقد في دمشق في 1980م عندما قال مخاطبًا ياسر عرفات بشكل مباشر: "أن تحمل غصن الزيتون يعني بداية سقوطك، إن تحرير فلسطين لا يتأتي إلا بواسطة برميل من البارود".
ظلت العلاقات بين منظمة التحرير وإيران تنتقل من توتر إلى توتر حتى اندلاع الانتفاضة الاولى سنة 1987م حيث استغلتها إيران لتشويه صورة فتح ومنظمة التحرير وإسباغ المديح للتنظيمات الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) باعتبار أن لها الدور المحوري في إشعال الانتفاضة وقيادة المقاومة ضد الاحتلال مع تهميش دور فتح والمنظمة، لدرجة أن مدير مكتب المنظمة في طهران صلاح الزواوي قد اعتبر ما تقوم به إيران إهانة للمنظمة، وقد حرصت إيران على إبقاء علاقتها بحماس والجهاد الإسلامي خارج الإطار الرسمي وبعيدة عن منظمة التحرير، وقد وجهت لقيادات الحركتين دعوات عديدة لزيارة إيران وافتتحت لكلتيهما مكاتب في العاصمة طهران وسمحت لهم بحرية التحرك والتنسيق لدعم جهود نشطائهم في الداخل بعيدا عن أعين المنظمة ونشاطها، وفي عام 1994م حدث ما لم يكن ليخطر على بال .. فقد كررت الجماهير الإيرانية الغاضبة بمشاركة عناصر من الحرس الثوري الإيراني ذات ما فعلته في سفارة الولايات المتحدة في نوفمبر 1979م ولكن هذه المرة ضد سفارة فلسطين، فقاموا بتدمير أثاث السفارة واحتجاز طاقمها كرهائن لمدة ست ساعات متواصلة وطالبوا بإحلال قيادات ونشطاء من حماس والجهاد الإسلامي مكانهم، كل ذلك كان رفضًا واستنكارًا لقيام منظمة التحرير بتوقيع معاهدة أوسلو مع العدو الصهيوني حيث اعتبرت ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير، ورصاصة الرحمة التي أُطلقت على أي علاقة يمكن أن تنشأ بين بلدهم وبين منظمة التحرير في ذلك الوقت ولحد الآن.