أطفال عائلة الهندي: عن الجريمة التي لم يرتكبها أحد



الشارع في غزة لا يزال لحد الآن مشغولاً بما حدث الليلة الماضية في منزل أحد المواطنين من عائلة الهندي في مخيم الشاطئ للاجئين .. أندلعت النيران في المنزل وتسببت بقتل 3 أطفال من عائلة الهندي، رهف، يسرى وناصر، اندلعت النيران بسبب استخدام الأطفال الصغار الشمع للإضاءة وصرح الدفاع المدني أن تسرباً لغاز الطهي تسبب باندلاع النيران بالإضافة للشموع. لنستعرض أولاً بعض الحقائق:




 قامت حماس وعلى لسان المتحدث باسمها صلاح البردويل وعلى لسان نائب رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية بتحميل المسؤولية لحكومة الوفاق وسلطة رام الله لامتناعها عن إعفاء شركة كهرباء غزة من ضريبة "البلو" والتي بسببها لا تستطيع الشركة دفع الأموال اللازمة لشراء الوقود. علماً بأن شركة الكهرباء وسلطة الطاقة قد أعلنتا في وقت سابق بأن حكومة رام الله ستقوم بإعفاء الشركة من ضريبة البلو ابتداء من أول مايو وطيلة شهور الصيف، وقد عادت أزمة الكهرباء للظهور مرة أخرى بعد أول يومين من مايو وأعلنت شركة الكهرباء أن السبب هو تعطل الخطوط المصرية، ولحد الآن لا يزال الخلل في جدول توزيع الكهرباء كما هو (6 ساعات وصل مقابل 12 قطع) علماً بأن الوضع "الطبيعي" لجدول الكهرباء في حال وجود وقود لتشغيل توربينات المحطة هو (8 ساعات وصل مقابل 8 ساعات قطع مع وجود ساعتين "راحة" أحياناً خلال فترة الوصل بسبب الضغط على الشبكة).



 قامت حماس بطباعة صور للرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء رامي الحمدالله وعليها تعليقات تصفهم بأنهم قتلة أطفال وأقنعت عائلة الضحايا الأطفال برفعها في وجه كاميرات الصحافة أمام المنزل المحترق.

القيادي في حركة فتح جمال محيسن حمل المسؤولية لعائلة الهندي عن مقتل أبنائها الثلاثة لكونها لم تلتزم بتحذيرات الدفاع المدني.



 قامت وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة بصرف شقة سكنية لعائلة الهندي المنكوبة مع توفير إيجارها لمدة 6 أشهر. شارك اسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في تشييع جثامين الأطفال الثلاثة وشارك أيضاً عناصر من كتائب القسام قاموا بتشييع الأطفال وحمل جثامينهم. خطب اسماعيل هنية وقال - ضمن ما قاله - أن جريمة قتل الأطفال لا تقل بشاعة عن جرائم الاحتلال الأخرى بحق الأطفال. كذلك قامت حركة حماس بتنظيم مسيرة احتجاجية هذه الليلة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة غضباً على حرق الأطفال بسبب الحصار.




 لا أعلم من هو صاحب فكرة إشراك كتائب القسام بعملية تشييع الأطفال، ولكن المؤكد أن هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها القسام في تشييع طفل يقضي بسبب حريق اندلع بسبب استخدام الشموع وانقطاع الكهرباء، فقد قضى 21 طفلاً بسبب حوادث مشابهة منذ 2010 (بحسب مراسل روسيا اليوم في غزة) ولم يتدخل القسام في تشييع أي منهم، ولا أظن أن كتائب القسام قد شاركت بشكل رسمي بأي جنازة وحملت نعوشاً لغير شهدائها أو شهداء تنظيمات مقاومة أخرى، فلماذا يشارك القسام هذه المرة بالذات؟ ما هو الموقف الذي يحاول تسجيله؟ لا أجد إجابة سوى أنه يحاول استغلال سمعته كتنظيم مقاوم لدعم موقف سياسي تحاول حركة حماس أن تسجله ضد خصومها في حركة فتح، وبغض النظر عن موقفي أو موقف القارئ، فالتساؤل هنا: هل يجوز أن تُسجل أي جهة موقفاً سياسياً ضد خصومها باستغلال دماء أطفال أبرياء قضوا بهذه الطريقة البشعة؟ والأهم من ذلك فإن الفصل بين القسام ومواقفه كجناح عسكري عن الكثير من المواقف "المخزية؟" للمكتب السياسي أصبح أمراً أكثر صعوبة لأولئك الذين يتذرعون بضرورات السياسة ويحاولون إخراج القسام خارج دائرة المواقف العجائبية لحماس.



من هذه المواقف، ما قامت به حماس للتعامل مع حادثة الأطفال الثلاثة هؤلاء، أطفال صغار ماتوا حرقاً بسبب مشكلة تُسأل عنها حماس بشكل أو بآخر وتتحمل جزءا من المسؤولية عنها، فتهرب من المسؤولية بكل صفاقة وتتنصل منها بشكل تام ومبتذل وتحاول أن تخرج نفسها - بكل ما رزقه الله لابن آدم من ابتذال - بمظهر ايجابي على حساب الدم، فأخرجت أهل الأطفال ليكرروا كلامها ومواقفها من سلطة رام الله واحتضنتهم أمام الكاميرات وحددت ثمن الأطفال الصغار بقيمة إيجار شقة سكنية متواضعة لمدة شهرين، واستغلت جناحها العسكري وأقحمته في الصورة بشكل أساء لتضحياته وتاريخه قبل أي شيء آخر، لقد ذكرني مشهد شباب القسام وهم يحملون جثث الأطفال المحروقين بكلام أحمد عساف وأسامة القواسمي (المتحدثين باسم فتح) وهم يتفاخرون زوراً بأرقام وهمية عن انتماء معظم شهداء الانتفاضة في الضفة الغربية وشهداء الحرب الأخيرة على غزة 2014 لحركة فتح، في متاجرة رخيصة بالدماء، لم أتوقع أن يمارس القسام مثلها في يوم من الأيام. إن لم يكن لحماس يد في جريمة مقتل هؤلاء الأطفال الصغار فقد أصبح لها يد في المتاجرة بدمائهم من أجل موقف سياسي رخيص.

لأتحدث الآن عن "أزمة الكهرباء" أيضاً، بما أنها شغل شاغل لكل أهل غزة الآن وتؤثر سلباً على حياتهم بكل الطرق، وقبل أن أستطرد أود فقط التأكيد على أن جميع الأخبار الواردة ببداية التدوينة تناقلتها وسائل إعلامية فلسطينية عبر حساباتها على شبكات الإعلام الاجتماعي، ويمكن العودة للحسابات الرسمية لشبكات مثل (فضائية الأقصى ووكالة صفا ووكالة شهاب وشبكة قدس الاخبارية وغيرها) على فيس بوك وتويتر للتأكد.

 المشكلة الأساسية كما يبدو لنا من تصريحات مسؤولي شركة الكهرباء وسلطة الطاقة هي ضريبة البلو المفروضة على الوقود الخاص بالمحطة، لا بد من التوضيح أن رفع ضريبة البلو وتدفق الوقود (السولار الصناعي) لتوربينات المحطة لا يحل مشكلة كهرباء غزة بشكل كامل، تظل أقصى فترة لوصل التيار (في حال كانت المحطة تعمل بكامل طاقتها ولا يوجد أي مشاكل في الخطوط من الجانبين المصري والاسرائيلي ولا يوجد ضغط على الشبكة بسبب الحر الشديد أو البرد الشديد) هو ثمانية ساعات فقط مقابل ثمانية ساعات قطع، وبناء عليه فإن رفع ضريبة البلو لم يكن ليشكل فارقا بالنسبة لأطفال عائلة الهندي، فإن لم يكونوا سيشعلون الشموع في تلك الليلة ليناموا على ضوئها فسيقومون بإشعالها في الليلة التي تليها.

صحيح أن ضريبة البلو تمثل مشكلة، وصحيح أن حكومة الوفاق وسلطة المقاطعة تعمل كل ما في وسعها من أجل تحويل حياة سكان غزة إلى جحيم بكل حقارة ودناءة من أجل تركيع مقاومتها في تعاون وثيق ومباشر مع الاحتلال، إلا أن التخلص الدائم من ضريبة البلو لن يكون عائقا أمام رؤيتنا للمزيد من جثث الأطفال المتفحمة على الشاشات. تعلم سلطة رام الله عن اشتراكها المباشر في جريمة حرق الأطفال، لا أقول أنها تتحمل مسؤوليتها بشكل تام وكامل، ولكنها مشتركة في الجريمة بدون شك، وتريد أن تستغل هذه الجريمة هي أيضاً لتسجيل موقف سياسي ضد المقاومة في غزة باعتبارها المسؤولة عن ويلات وكوارث غزة وما حل بها وبهؤلاء الأطفال الضغار.

إذا نظرنا للأمور من ناحية تقنية بحتة بدون النظر للعامل السياسي، فإن أهم ما يمنع غزة من الحصول على كهرباء 24/7 هو عدم التزام الشركة الفلسطينية للكهرباء (المالكة لمحطة توليد كهرباء غزة) بتعاقدها مع السلطة الفلسطينية والذي ينص على ضرورة رفعها لحجم انتاجها لحد 540 ميجاواط كحد أدنى بحلول العام 2015، المحطة في أفضل حالاتها وعند عملها بأقصى طاقتها لا تنتج أكثر من 60 ميجاواط لا أكثر، وتتذرع بعدم إمكانيتها تطوير إمكانياتها اللوجستية بسبب ما فعله الاحتلال بقصفه لمحطتها عام 2006 انتقاماً بعد عملية الوهم المتبدد، والواقع أن التعاقد بين الطرفين (الشركة والسلطة) يلزم السلطة بدفع رسوم شهرية ثابتة (تصل لثلاثين مليون شيكل) بغض النظر عن كمية الكهرباء التي يتم انتاجها بواسطة توربينات المحطة سواء قلت أو زادت كما أنه يلزم السلطة أيضا بتموين المحطة بالوقود. كل هذا جعل الشركة الفلسطينية للكهرباء المالكة لمحطة توليد الكهرباء في غزة تعلن عن أرباحٍ بلغت 31.6 مليون دولار سنويا خلال العامين المنصرمين.

نقطة أخرى تخص شركة توزيع كهرباء محافظات غزة، والتي لم تقم منذ سنين طويلة بإدخال أي تحسينات تُذكر على شبكة التوزيع، لا زالت هذه الشبكة ضعيفة وتستهلك الكثير من الطاقة كفاقد أثناء عملية التوزيع، وهي لا تتوسع بما يتناسب مع الزيادة الديمغرافية المطردة في القطاع. ولا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد أي رقابة حكومية فعلية لا على شركة توليد الكهرباء ولا على شركة توزيعها، لا يوجد أي اهتمام بقوة المحطة وحجم انتاجها ولا بقوة الشبكة وقدرتها على توصيل التيار لمختلف مناطق غزة، الرقابة الوحيدة المفروضة هي على رواتب موظفي حكومتي رام الله وغزة والتي يتم اقتطاع رسوم خدمة الكهرباء منها لصالح الشركة كما أن حكومة غزة تطلق يد شركة الكهرباء لتجبر جباتها على ابتزاز المواطنين بسبب خدمة كهرباء سيئة بالأصل وتقوم بقطع التيار الكهربائي عن عشرات المنازل يوميا لابتزاز أصحابها لدفع جزء من المستحقات المتراكمة عليهم. والحكومة نفسها لا تدفع الكثير من الأموال المستحقة عليها للكثير من شركات القطاع الخاص بما يشمل شركة الكهرباء بالتأكيد، والتي تريد من الحكومة هنا مئات آلاف وربما ملايين الشواكل كمستحقات ومتأخرات متراكمة من فترة طويلة، كما تقوم الحكومة باستهلاك كمية كبيرة من الطاقة التي يتم توزيعها على مناطق غزة المختلفة (وزراة الأوقاف لوحدها تستهلك من الطاقة قدر ما تستهلكه محافظة رفح التي يقطنها 130 ألف نسمة) ولا تشكل نسبة سداد وزارات الحكومة قيمة تذكر مقابل ما تتم جبايته شهريا من جيوب الناس ورواتبهم.

حرق أطفال عائلة الهندي، كما حرق 21 طفلاً آخرين خلال السنوات الست الماضية، هي جرائم واضحة اشترك فيها عدد كبير من المسؤولين، الاحتلال، عملاؤه في مقاطعة العار، حكام غزة ومن يتواطؤون معهم من أصحاب رأس المال .. كلهم بدون استثناء مشتركون في هذه الجريمة، وضاعت دماء هؤلاء الأبرياء بين القبائل ولم يجدوا من يطلب لأرواحهم الطاهرة ثأرها.