الاستعمار البريطاني في الجزيرة (4): العلاقات الكويتية النجدية في ظل الهيمنة البريطانية (القسم الثاني)

استعرض الجزء السابق من هذه المقالة علاقات نحد والكويت قبل وأثناء الحرب الكبرى، والطريقة التي تعاملت بها بريطانيا مع الخلافات التي نشبت بين الطرفين، وكيف استطاعت بنجاح أن تسيطر على تنافسية عبد العزيز وسالم المبارك المحتدمة وتمنع تأثيرها سلباً على سياستها في الخليج وعملياتها العسكرية في سورية والعراق في آخر سنوات الحرب. سيبدأ هذا الجزء من النقطة التي توقف عندها الجزء السابق وسيكون آخر مقال في هذه السلسلة يتطرق إلى علاقات نجد والكويت. وسيناقش، كما أوضح ختام المقال السابق، النزاعات الحدودية والعلاقات الاقتصادية.

انتهت الحرب وتبخرت معها سيطرة الأتراك على العراق والخليج لصالح الوريث البريطاني، أصبح الوقت ملائما أمام بريطانيا الآن لإعادة رسم الحدود على خريطة المنطقة، وكان من المنطقي أن يدرك سالم المبارك ذلك، وأن يوقن بأنه في حال استمرت ممالئة بريطانيا لعبد العزيز آل سعود فإنه سيفقد جزءاً من إمارته وربما سيخسرها كلها لعبد العزيز، وهو الذي كان يفكر أيضاً بذات الطريقة، بحيث استمرت سياسته التوسعية حتى بعد انتهاء الحرب وفقدان دافعها الأساسي الذي نال من أجله دعم البريطانيين وهو تقويض نفوذ العثمانيين في الجزيرة، ولم يكن يهتم عبد العزيز كثيراً بما إذا كانت توسعاته هذه تأتي على حساب حلفاء آخرين لبريطانيا.



خريطة الكويت حسب الاتفاقية الانجلو - عثمانية 1913م

بادر سالم المبارك إلى تأمين الحد الجنوبي لإمارته ببناء حصن في خور البلبول على شاطئ الخليج، كان الكويتيون يعرِّفون حدود إمارتهم طبقاً للحدود التي رسمتها لهم بريطانيا عام 1913م في المعاهدة الأنجلو - عثمانية، حيث كانت الإمارة شبه دائرة مركزها مدينة الكويت وتمتد حدودها من خور الزبير (140 كلم شمالاً) وتنتهي عند رأس منيفة (270 كلم جنوباً) مروراً بحفر الباطن والصفا والقرعا والرهابة ووبرة وأنطاع، كان خور البلبول الذي يقع بالقرب من رأس منيفة آخر نقطة تصل إليها حدود الإمارة من الجنوب كما كان يمتاز بغزارة المياة ويمكن استخدامه كمرسى طبيعي للسفن الشراعية. كان خور البلبول يقع ضمن الأحساء بحسب عبد العزيز ويدخل ضمن نطاق أراضيه، ولذا فقد رفض أن يبني الأمير الكويتي فيه حصناً عسكرياً وأرسل احتجاجاً على تحركه إلى الوكيل السياسي البريطاني في الكويت (الميجور جيمس سي. موور)، رفض سالم الاحتجاج وأرسل لعبد العزيز رسالة يوضح له فيها أن خور البلبول تقع ضمن ممتلكاته وحدود إمارته إلا أنه عاد والتزم بتجميد البناء فيه بعد الضغوط البريطانية، لم يكن سالم يعلم حتى ذلك الوقت بأن معاهدة دارين - العقير 1915م التي وقعها عبد العزيز مع بريطانيا لم ترسم أبداً أي حدود بين نجد وجيرانها، ونصت بصراحة على أن تُناقش مسألة الحدود هذه لاحقاً.

عزم عبد العزيز على الرد بسرعة على خطوة سالم، فأمر أحد زعماء قبيلة المطير، وهو هايف بن شقير الدويش، لأخذ جماع من قبيلته وتأسيس هجرة للإخوان بالقرب من منطقة قرية العليا (أو جرية) وذلك في العام 1920م، احتج سالم بدوره على تصرف عبد العزيز، وأرسل اجتجاجه للميجور موور ولمندوب عبد العزيز في الكويت وأرسل لابن شقير الدويش يأمره بمغادرة قرية على الفور، لم يستجب ابن شقير الذي رد على رسالة سالم ببساطة بأنه لا يتلقى أوامراً منه ولا يستجيب إلا لأوامر عبد العزيز فقط، ولم يقبل عبد العزيز بإنهاء تواجد المطيريين في قرية ورفض الاستماع للبريطانيين في هذا الخصوص، لم يعترف عبد العزيز بمعاهدة 1913م بين الانجليز والأتراك واعتبر أن جميع مناطق الأحساء والقطيف جزء من إمارته ووهبت له شرعاً على يد الوالي العثماني في البصرة بعدما دخلها قبل سبعة أعوام، بدون شك فقد طمح عبد العزيز في ضم الكويت لأراضيه وما كان ليسعده شيء أكثر من سيطرته على ميناء حيوي على الخليج يمثل نقطة على خط تجاري دولي كميناء الكويت، ولإدراكه باستحالة إقناع البريطانيين بتوحيد نجد والكويت فقد كان يطمح على الأقل في تقليص حجم إمارة آل الصباح لأقصى حد ممكن، وسبق وأن صرح أكثر من مرة برغبته في حصر الإمارة الكويتية عند حدود سور عاصمتها الخارجي معتبراً أن هذه حدودها الطبيعية التي المعتادة كما كانت في عهد أسلافه. تواصلت احتجاجات سالم على ما اعتبرها تعديات للنجديين على إمارته، كان الوضع معقداً بصورة أكبر من أن يقدر الميجور موور على التعامل معه، واضطر لزيارة رؤسائه في بغداد في 18 مارس 1920م والتقى فيها المندوب السامي في العراق آرنولد ويلسون، وعاد إلى الكويت برسالة منه سلمها لسالم المبارك يطمأنه فيها بأن بريطانيا ستعمل على ترسيم الحدود بين نجد والكويت بما يرضي الطرفين، لم يقتنع سالم وطلب من موور أن يعمل على إنهاء تواجد النجديين في قرية العليا، قام موور بمراسلة ويلسون في 23 أبريل 1920م طالباً منح النصح بخصوص مطالبات سالم، لكن لم يج ويلسون على رسالة موور واضطر سالم للتصرف من تلقاء نفسه، أرسل سالم أحد رجاله وهو دعيج بن سلمان على رأس قوة عسكرية صغيرة قوامها 400 مقاتل عسكرت في حمض على بعد 60 كلم من قرية العليا لتأكيد حقوقه على قرية ولحماية بادية الكويت من الهجمات النجدية، لاحت بوادر الصدام المسلح في الأفق.

كان من السهل على عبد العزيز أن يعتبر تحرك سالم الأخير إعلاناً للحرب، وأن يرد عليه بنفس الحدة، إلا أنه كان مقيداً أيضاً بالتزامه أمام البريطانيين بمعاهدة دارين - العقير 1915م بعدم المساس بأمن جيرانه وبعدم اللجوء إلى السلاح لحل خلافاته معهم، بالرغم من ذلك فقد صدرت عن نجد استجابة عنيفة تجاه تحرك دعيج بن سلمان ناحية حمض، ولكن من غير المعروف على وجه الدقة إذا ما كانت هذه الاستجابة قد تمت بمعرفة وتوجيه عبد العزيز أم ارتجالاً بدون الحصول على موافقته، بأي حال، فقد تحرك فيصل الدويش أحد أهم زعماء المطير بقوة عسكرية قوامها 2000 مقاتل نصرة لأبناء عمومته في قرية العليا، واشتبكت قواته مع الكوتيين في 18 مايو 1920م ومنيت قوة دعيج بن سلمان بهزيمة ساحقة بسبب تفوق النجديين العددي.

كانت معركة حمض أول مواجهة مسلحة بين نجد والكويت في عهد الدولة السعودية الثالثة وقد دفعته نتيجة المعركة لزيادة تحصينات مدينته خوفاً من هجوم نجدي محتمل(1)، احتج سالم على ما قام به عبد العزيز أمام البريطانيين، وقد عادوا للتأكيد مجدداً على أنهم سيعينون من سيقوم بترسيم الحدود بين الكويت ونجد في أقرب فرصة متاحة، أسقط في يد سالم واضطر للاستجابة لنصيحة موور بإرسال وفد لنجد ليفاوض عبد العزيز مباشرة، والذي وصل إلى الرياض في 30 مايو 1920م واستقبله عبد العزيز وقدم الاعتذار للكويت عبره على ما بدر من الدويش في حمض وأكد للوفد أن سالم هو من بادر بالاعتداء، وعاد ليذكرهم ثانية باتصالات أميرهم مع أعدائه في حائل آل رشيد. تبادل سالم وعبد العزيز الرسائل لاحقاً على أمل الوصول إلى حل للأزمة ولكن بدون أي فائدة، فقد كان كلا الطرفين متمسكاً بموقفه من الحدود، وقد أظهر ذلك لعبد العزيز ضرورة استحثاث البريطانيين على التدخل، راسل عبد العزيز البريطانيين في أواخر يونيو 1920م وجاء ردهم يطلب منه أن يحل مشاكله مع جيرانه بنفسه بدون أي عنف كما سبق وتعهد.

أرسل عبد العزيز أيضاً رسالة للميجور موور في 5 يوليو 1920م يؤكد فيها عدم معرفته(2) بما قام به الدويش، ويؤكد له بأن غنائم الإخوان من المعركة قد جُمعت منهم ووعده بعدم تكرار ما حدث بشرط أن يتعهد سالم بعدم التعدي على حدود نجد مرة أخرى، قام موور بتمرير الرسالة إلى آرنولد ويلسون في بغداد وقد أجابه في 9 يوليو 1920م طالباً منه أن يخبر سالم رسمياً بأن الحدود التي أقرتها المعاهدة الأنجلو عثمانية 1913م أصبحت لاغية بموجب ما أقرته بريطانيا مع عبد العزيز في دارين - العقير 1915م. وأن يطمأن كلا الطرفين بأن الحكومة البريطانية ستقوم بترسيم الحدود طبقاً للأصول. من الواضح أن عبد العزيز لم يقتنع بتسويفات مسؤولي بريطانيا في العراق، وطمح في إيصال وجهة نظره إلى لندن لحثها على التعجيل بالأمر، فأرسل في 28 يوليو 1920م رسالة لديكسون وكيل بريطانيا في البحرين يطلب منه الضغط باتجاه تولي حكومة بلاده حل الأزمة، راسل ديكسون وزارة الخارجية في لندن في 19 أغسطس وشرح لهم الوضع بالتفصيل ونقل تصورات كل من عبد العزيز وسالم عن الحدود بين نجد والكويت، واعتراض عبد العزيز على اعتماد سالم على معاهدة 1913م بين الانجليز والأتراك كمرجع لترسيم الحدود نظراً لاختلاف الوضع على الأرض واحتجاجه بأن حدود إمارته يجب أن تغطي أماكن سكن القبائل التي تدين له بالولاء.

اقترحت الحكومة البريطانية وضع محكمين من طرفها لأجل حسم الخلاف، وبالطبع فقد اشترطت على كلا الطرفين القبول مسبقاً بالتحكيم أيًّا كانت نتيجته، وقد طلبت بريطانيا من سالم وعبد العزيز وضع تصوراتهما الخاصة عن الحدود كأساس لبداية النقاش، وحيث أن كلا الطرفين قد تشدد في مطالبه (الموضحة بأعلاه، سالم أراد الكويت كما رسمتها المعاهدة الأنجلو عثمانية، وعبد العزيز أرادها داخل حدود المدينة وتنتهي عند سورها الخارجي فقط)، فقد فشلت جهود التحكيم قبل أن تبدأ ولم يكن من المتاح الوصول لأرضية تفاهم مشتركة بين الكويتيين والنجديين.

في نهاية سبتمبر 1920م كان بيرسي كوكس في طريقه إلى بغداد لاستلام مهامه كمندوبٍ سامٍ للعراق خلفاً لآرنولد ويلسون، وفي طريقه التقى بكل من عبد العزيز في ميناء العقير وسالم في الكويت، بغرض استعراض وجهتي نظرهما في حسم الخلاف الحدودي، وهنا صرح عبد العزيز لكوكس، الذي كان يعتبره صديقاً شخصياً، عن أطماعه الحقيقية، وطلب منه العمل على إقناع الحكومة البريطانية بضم الكويت بكاملها إلى أملاكه وإمارته، كان عبد العزيز قد استغل حضور جون فيلبي (الذي كان وقتها وكيلاً سياسياً لبريطانيا في نجد) للقاء، وذكر باقتراحه الذي طرحه قبل ثلاثة سنوات(3)، وبالطبع فقد واجه هذا الطلب رفض كوكس الحاسم، كان الإنجليز يدركون خطورة منح رجل كعبد العزيز، تصعب السيطرة عليه، نفوذاً مطلقاً على ساحل الخليج، فلن تقف أطماعه التوسعية عند الكويت فحسب وربما ستمتد إلى إمارات أخرى، كما أنهم ما كانوا ليقبلوا بفقدان السيطرة التي يمنحها لهم وجود آل الصباح على رأس الإمارة الكويتية على ميناء الإمارة الحيوي والذي يشكل نقطة ربط مع المستعمرة البريطانية في العراق. أما في الكويت، فقد عاود سالم المبارك شكايته المعتادة من تعديات عبد العزيز على حدود إمارته وتذكير كوكس بالمعاهدة الأنجلو – عثمانية 1913م والخريطة التي رسمتها لحدود الكويت، كان جون فيلبي أيضاً حاضراً للقاء سالم مع بيرسي كوكس كذلك، وتولى مهمة الدفاع عن عبد العزيز متهما سالم بالبدء بالتعدي على نجد وعلى رعايا عبد العزيز في قرية(4). وعد كوكس سالم بأن بريطانيا ستظل محافظة على التزاماتها تجاه أصدقائها الكويتيين وأنه سيبذل ما بوسعه لمتابعة الخلاف بينه وبين عبد العزيز. وما أن وصل كوكس إلى بغداد في 2 أكتوبر 1920م لتسلم مهام عمله الجديد حتى باشر بمراسلة الخارجية في لندن موضحاً بأن الطرفين في الكويت ونجد متشددان في الدفاع وجهتي نظرهما في نزاعهما الحدودي، واقترح جمعمها على طاولة مفاوضات واحدة في البصرة لتقريب وجهات النظر، وفي حال فشل المفاوضات فيجب أن تفرض بريطانيا عليهما تصورها الخاص عن الحل.

لم تفلح تطمينات بيرسي كوكس في منع اشتعال الصدام المسلح بين الطرفين مرة أخرى، وهذه المرة كانت المواجهة بالقرب من قرية الجهراء الكويتية (حوالي 30 كلم عن العاصمة)، وعلى الرغم من تضارب بعض المصادر في تحديد السبب الرئيسي وراء اشتعال المواجهة إلا أن قراءة الظروف تؤكد أن المواجهة كانت حتمية، فقوات الإخوان تحت قيادة فيصل الدويش كانت لا تزال تذرع الحدود بين نجد والكويت جيئة وذهاباً في استفزاز واضح للكويتيين وقد وصلت في 8 أكتوبر 1920م إلى الصبيحة، وكان من المنطقي أن يتعامل سالم مع تحركات الدويش كمقدمة لهجوم مرتقب على الكويت، ولذا فقد حشد قواته في الجهراء استعداداً لأي طارئ، وقام بحسب بعض المصادر بالتواصل مع بن رشيد طالباً منه دعماً عسكرياً والذي أرسله على الفور ليصبح عند سالم في الجهراء 1500 مقاتل تحت قيادته، في 10 أكتوبر 1920م تقدم فيصل الدويش على رأس قوة عسكرية من الإخوان مكونة من 4000 مقاتل من ضمنهم 500 فارس واندفعوا نحو الجهراء بقوة واستطاعوا اجتياحها خلال ثلاثة ساعات، وبالرغم من أن الكويتيين استطاعوا امتصاص الهجوم في بدايته إلا أن نفاذ ذخيرتهم والتفوق العددي للإخوان اضطرهم للتراجع وترك أسلابهم في شوارع الجهراء واللوذ بأسوار قصر الأمير داخلها والذي يُسمى بالقصر الأحمر. سقط من الكويتيين أثناء انسحابهم أكثر من 300 قتيل بخلاف الجرحى، أي أن خمس الجيش الكويتي على الأقل قضى نحبه خلال ساعات الهجوم.

استنجد سالم بالبريطانيين وطلب منهم إيقاف الهجوم على الجهراء، نصح الميجور موور قيادته في بغداد بإرسال تعزيزات عسكرية بهدف منع تقدم الإخوان وتوغلهم أكثر في أراضي الكويت، وبالفعل فقد رست سفينتان عسكريتان بريطانيتان أمام ميناء الكويت في 14 أكتوبر 1920م وقدمت بعض الطائرات الحربية من العراق والتي حلقت فوق الصبيحة وألقت عدداً من المنشورات فوق تجمعات الإخوان موجهة باسم الميجور موور إلى فيصل الدويش ومن معه توضح أن التعدي على أملاك سالم يعني تعدياً على بريطانيا، وتأمرهم بالانسحاب الفوري من الجهراء والصبيحة.

كان الدويش قد أرسل لسالم المبارك شروطاً مسبقة للقبول بالانسحاب من الجهراء توضح كمَّ ما يعاني منه هذا الرجل من صفاقة، فقد طلب منه تحريم تجارة واستخدام التبغ في الكويت وقطع العلاقات مع الإنجليز وهدم المستشفى الأمريكي وطرد طاقمه والانخراط في سلك الإخوان والامتثال لتعالم الوهابية! في 20 أكتوبر 1920م وصلت رسالة من بيرسي كوكس إلى كل من سالم وعبد العزيز يأمرهم بوقف العمليات العسكرية وطلب من عبد العزيز سحب الإخوان من الصبيحة على الفور وقد أرسل له عبد العزيز رده بموافقة مشروطة، فلن يسحبهم إلا إذا تعهد سالم بإيقاف هجماته على نجد وقطع علاقاته مع إمارة حائل وابن رشيد. بعد أقل من أسبوع أرسل عبد العزيز رسالة إلى ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت عرض فيها رواية مغايرة للأحداث ومبرراً أحداث الجهراء بهجوم سابق شنته قوات كويتية على فرقة استطلاعية نجدية كان يقودها ابن عمه عبد العزيز بن تركي آل سعود وقد كانت تتمركز على مسافة مسير يوم ونصف اليوم من الرياض (أي أنها داخل حدود نجد وخارج نطاق المنطقة المتنازع عليها)، وقد دفع هذا الهجوم فيصل الدويش إلى ما قام به في الجهراء.

بأي حال فإن الدويش طلب من سالم إرسال رد على مطالباته الموضحة بأعلاه، ورفض سالم وطلب منه أن يأتي إلى الكويت بنفسه للقاءه، ذهب الدويش بالفعل والتقى بسالم بحضور الميجور موور الذي أوضح له ببساطة أن بقائهم في الجهراء والصبيحة يعني تعرضهم للقصف الجوي فوراً وأن بريطانيا لن تتخلى عن الكويت ومصالحها فيها، بل إنه أوضح ثقته في رفض قائده عبد العزيز لتصرفاته هذه مؤكداً على حرص الأخير على صداقته مع آل الصباح، انصاع فيصل الدويش وقبل بالانسحاب خارج الجهراء والصبيحة وعاد للتمركز مع إخوانه في هَجرَة الأرطاوية.

تلقى عبد العزيز لاحقاً دعوة من القنصل البريطاني في البصرة لحضور لقاء سينضمه بيرسي كوكس بينه وبين الأمير الكويتي، لم يوافق عبد العزيز على الذهاب إلى البصرة متذرعاً بضروفه الصحية وانشغاله ببعض شؤون إمارته الداخلية وأبلغ القنصل عدم ممانعته أن ينوب بيرسي كوكس عنه في هذا اللقاء. في ذات الوقت تدخل حاكم المحمرة الشيخ خزعل للوساطة بين الطرفين وأرسل، بعد اتصالات مع الميجور موور، ابنه كاسب بن خزعل، وانضم لوفد جمع شخصيات من الكويت برفقة الأمير أحمد الجابر الصباح والتقوا بسالم في 30 ديسمبر 1920م، ومن ثم بعبد العزيز في 12 فبراير 1921م وأثناء مباحثاتهم معه وصلهم خبر وفاة سالم المبارك في 27 فبراير 1921م فتوقفت المباحثات على الفور وقام عبد العزيز بإلغاء كل ما تم الاتفاق عليه خلالها(5) وعاد أحمد الجابر إلى الكويت وتم الاتفاق على تنصيبه أميراً على الكويت مع تنصيب ابن عمه عبد السالم في ولاية العهد.


ظلت المساعي التي تبذلها بريطانيا من أجل إنهاء الأزمة الحدودية بين نجد وجيرانها قائمة، خاصة وأن توسع عبد العزيز والذي شمل إمارة حائل بعد استسلام آخر أمرائها محمد بن طلال في نوفمبر 1921م وأصبحت سلطنة نجد وملحقاتها مرتبطة بحدود مع كل من مملكة العراق وإمارة شرق الأردن وكلاهما بلدان واقعان تحت الانتداب البريطاني، إضافة إلى الكويت المرتبطة مع بريطانيا بمعاهدة حماية. صحيح أن عبد العزيز تخلص من عدو تاريخي متمثل في آل رشيد، وأن أمير الكويت الجديد أحمد الجابر تربطه بعبد العزيز علاقة صداقة وثيقة رغم الخلافات العميقة بينه وبين عمه، لكنه أصبح محاطاً بالهاشميين من ثلاثة جهات (شرق الأردن والعراق والحجاز) والظروف التي نشأت فيها دولهم جعلتهم على عداء تنافسي مع سلطنة نجد الفتية وحاكمها الطموح، لذا، كان من الأفضل لعبد العزيز أن يضمن لنفسه حدوداً واضحة مع جيرانه(6)، كما أن بريطانيا رأت في خريطة مقسمة بخطوط واضحة فرصة لضمان استقرار انتدابها على حصتها من تركة الدولة العثمانية، ولمنع عبد العزيز من فرض المزيد من التوسعات خارج صحراء نجد سواء في الكويت أو العراق، كما اهتمت بريطانيا بتوزيع ولاءات القبائل بين الدول الأربعة بغض النظر عن حركتها المستمرة بحثاً عن الماء والمرعى بين الأراضي التقليدية للدول المذكورة(7)، وذلك لضبطها ومنع تعدياتها على بعضها البعض وتهديدها لاستقرار المنطقة وتوكيل إدارات هذه الدول بضمان ذلك. وقعت سلطنة نجد مع مملكة العراق (تحت رعاية بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق) اتفاقية المحمرة في 5 مايو 1922م والتي عنيت بتحديد ولاءات القبائل بين الدولتين وتقسيم الآبار في المنطقة الحدودية دون ترسيم الحدود بشكل واضح، وقد أتبعت بريطانيا اتفاقية المحمرة بمؤتمر آخر عُقد في العقير في 2 ديسمبر 1922 صدر عنه بروتوكولان تكميليان لاتفاقية المحمرة قام بترسيم الحدود نهائياً مع العراق كما نتج عنه ترسيم نهائي للحدود بين سلطنة نجد والكويت، وهي الحدود التي أنهت وبشكل رسمي أي ذكر للاتفاقية الانجلو - عثمانية 1913م والحدود التي رسمت وقتها. 


حضر عبد العزيز المؤتمر بنفسه بصحبة وفد يمثل سلطنته، فيما مثل صبيح نشأت وزير المواصلات العراقي الملك فيصل، أما أحمد الجابر فقد ناب عنه الوكيل السياسي البريطاني في الكويت الميجور جيمس سي. موور.  كان الخلاف بين العراق ونجد عميقاً ولم تسفر المحادثات بين الطرفين عن أي اختراق أو تقدم، وما كان ليحدث هذا الاختراق وفيصل يطالب بأن تصل حدود مملكته إلى أسوار الرياض، وعبد العزيز يطالب بأن تصل حدود سلطنته إلى نهر الفرات وأسوار الكويت! في النهاية، تدخل بيرسي كوكس وحسم الخلاف القائم بقلم أحمر خط به حداً امتد من شاطئ الخليج حتى جبل عنزان في شرق الأردن، وحدد منطقتين محايدتين تفصل الأولى بين نجد والعراق وتفصل الثانية بين نجد وجنوب الكويت، وبذلك، أكدت الخريطة بشكلها هذا على اقتطاع عدد كبير من الآبار التي كانت تردها القبائل النجدية ضمن حدود العراق فيما حرمت عبد العزيز من جميع مطالباته في أراضي إمارة الكويت، أثار ذلك حفيظة عبد العزيز واجتمع مع بيرسي كوكس على هامش المؤتمر واشتكى من ما وصفه بـ (حرمان بريطانيا له من معظم أراضي سلطنته(، وكنتيجة لهذا اللقاء اقتطع بيرسي كوكس من أراضي الكويت مقلصاً مساحتها إلى الثلث تقريباً، بدون أي اعتراض من ممثل الكويت الميجور موور والذي لم يشارك في المباحثات سوى بالتوقيع على الاتفاقية النهائية.

 وثق هارولد آر. ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في البحرين لقاء كوكس وعبد العزيز، وحسبما نقل فإن عبد العزيز بكى أثناء اللقاء وقال لكوكس أنه حُرم من معظم سلطنته وأن الأجدى ببريطانيا أن تتركه يستقيل وتأخذ بقيتها، وأن هذا الموقف أثر في كوكس وجعله يغير موقفه ويعوض عبد العزيز من أراضي إمارة الكويت دون الرجوع لأحمد الجابر مجازفاً بردة فعله أو بعدم قدرته على إقناعه بقبول الترسيم النهائي للحدود ورفضه للمصادقة عليه. وبغض النظر عن صدق التفاصيل التي أوردها ديكسون بخصوص هذا اللقاء، فإن المنطق يقول أن كوكس ما كان ليتخذ قراراً كهذا فقط لتأثره بشاعرية عبد العزيز! ويمكن البحث عن دوافع كوكس في الاسباب التالية:

1- كان قرار كوكس مرتبطاً بوضع معقد تشهده المنطقة بسبب التنافس بين السعوديين والهاشميين ورغبة بريطانيا في تقليل الاحتكاك بين الطرفين.

2- المنطقة التي ضمها عبد العزيز بعد تفكيكه لإمارة حائل كانت مكان سكن تاريخي لعدد من القبائل المعادية لعبد العزيز (أبرزها شمر) والتي اضطرت للهجرة إلى جنوب العراق للابتعاد عنه، وقد تعود للاحتكاك به مرة أخرى وغزو أراضيه مما قد يشجعه ليمارس على العراق ضغطاً عسكرياً كالذي مارسه على الكويت في عهد سالم وهو الأمر الذي سيقوض استقرار المنطقة.

3- بناء على النقطة السابقة، كان لا بد من إبعاد عبد العزيز عن جهود التنقيب عن البترول في البصرة.

4- كان عبد العزيز أقل حكام المنطقة خضوعاً للانجليز، وكان من الممكن أن يحول ولاءه بسهولة إلى قوة عظمى أخرى ويتنكر لمعاهدته مع بريطانيا وهو الذي قام به فعلاً عندما منح امتياز التنقيب عن النفط في الأحساء لفرانك هولمز أولاً ثم منحه لاحقاً للأمريكيين رغم ادعاء الشركة (الأنجلو – فارسية) لحقها في التنقيب في الأحساء والذي حصلت على امتيازه من سلطات البصرة العثمانية، كما أن مشاريع بريطانيا لتوحيد سورية الكبرى تحت الحكم الهاشمي قد تستفز الفرنسيين للتواصل مع عبد العزيز والذي سيتجند بسهولة للوقوف في وجه تقوية الحكم الهاشمي في سورية، وهو الأمر الذي تم لاحقاً بالفعل.

5- كانت سلطة الأمير الكويتي قد تقلصت في الصحراء بسبب ازدياد ولاء القبائل البدوية لعبد العزيز وزيادة انخراطهم في سلك الإخوان، وكان من الأجدى ضم الأراضي الكويتية البعيدة عن المركز المتمثل في العاصمة إلى سلطة عبد العزيز ليضمن سيطرة أكبر على القبائل التي تسكنها.

6- كانت قوة عبد العزيز وسياسته العسكرية في التعامل مع جيرانه مجربة خلال السنوات القليلة الماضية، ويستطيع بسهولة مهاجمة الكويت والعراق مستخدما تشكيلات الإخوان العسكرية والتي يستطيع التملص من مسؤوليته عنها، وهي الحجة التي استخدمها بيرسي كوكس في إقناع أحمد الجابر بالمصادقة على ترسيم الحدود بين نجد والكويت والذي تم إقراره في العقير، وقد قال له بوضوح (لقد سبق السيف القلم)، وأوضح له أنه إن لم يتنازل لعبد العزيز عن مطالباته في الكويت فسينتزعها منه بالقوة.



خريطة توضح المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت بحسب اتفاقية العقير 1922م

أي في خلاصة الأمر، كان لا بد من إبعاد عبد العزيز عن العراق وإرضاءه عوضاً عنه بالكويت مع الاستمرار قدر الامكان بكسبه صديقاً وحليفاُ. لقد صدمت بريطانيا حليفها الكويتي وأرغمته على قبول شروط مجحفة إرضاء لرجل الجزيرة الأول والأقوى، وكانت تأمل أنها بتصرفها هذا ستظل قادرة على فرض سيطرتها على إرادته السياسية، أو كسبه في صفها على الأقل. ما لم يحسب بيرسي كوكس حسابه أن إملائاته هذه على الكويت ونجد والعراق لن تؤدي بأي حال إلى الوصول إلى الاستقرار الذي كان يتمناه، فالاتفاقات الموقعة كانت مليئة بالثغرات، فالقبائل التي قطنت هذه المناطق لمئات السنين لن تغير نمط حياتها وعاداتها وطرق كسبها للعيش بين ليلة وضحاها، الاتفاقيات أيضاً لم توضح آلية الاستفادة من المناطق المحايدة، وقد تفاقمت مشكلة هذه المناطق بعد اكتشاف حقول النفط فيها، وقد أثبتت الأيام أن تسوية العقير لم تكن كافية لضمان استقرار المنطقة ونزع فتيل الخلافات بين أطرافها، وقد ابتدأت هذه المشاكل عندما فرض عبد العزيز حصاراً سعودياً اقتصادياً على الكويت، وبدأ يفقد سيطرته تدريجياً على مليشيات الإخوان التي خدمته في تشكيل مملكته مترامية الأطراف أكثر من أي شيء آخر.

بوصفه أحد أنشط الموانئ على الخليج، كان أهل نجد يفضلون (مسابلة) ميناء الكويت بدلاً من موانئ الأحساء (القطيف، جبيل والعقير)، وقد كانت أهل نجد يشترون بضائعهم من الكويت وبتوزعون في مناطق نجد ويقومون ببيعها دون أن تستطيع إدارة السلطنة أن تحصل منهم تعرفة جمركية على غرار التي كان يحصلها الكويتيون في ميناء مدينتهم، سبق وأن تنبه عبد العزيز لهذه المشكلة في العهد القصير الذي قضاه جابر المبارك على رأس الإمارة، وطلب من أميرها أن يقتسم معه عائدات الجمارك، لم يعد عبد العزيز لإثارة الموضوع إلا في عهد أحمد الجابر وذلك قبل توقيع معاهدة العقير، في سنة 1921م أرسل عبد العزيز رسالة لأحمد ينبأه بأنه سيمنع تجار نجد من مسابلة ميناء الكويت وأنه سيوجههم عوضاً عن ذلك إلى موانئ الأحساء، ليس فقط ليضمن جباية جمارك البضائع ولكن ليساعد في تنمية موانئه كذلك، أعطى عبد العزيز لأحمد خياراً بأن يُقيم في مينائه موظفين منتدبين من حكومة نجد ليقوموا بتحصيل الرسوم لنجد مباشرة، كان من المنطقي أن يرفض أحمد الجابر هذا الاقتراح، فمن جهة، ما كان ليرهق التجار المتعاملين مع ميناء بلاده الرئيسي بمضاعفة الضرائب، وما كان، من جهة أخرى، أن يقبل باقتسام ما تجبيه خزانة دولته من الجمارك مع النجديين. تم تأجيل بحث الموضوع إلى مؤتمر العقير، وقد تم الاتفاق على هامش المؤتمر أن يرسل أحمد مفاوضين للرياض للوقوف على وجهة نظر عبد العزيز بخصوص الموضوع، وقد توجه وفد من الكويت في 1923م إلى الرياض وعاد إلى أحمد الجابر حاملاً ثلاثة اقتراحات من عبد العزيز: إما أن تقبل الكويت بتواجد موظفين سعوديين في ميناء الكويت، أو أن يدفع أحمد الجابر تعويضاً عن الجمارك لنجد من جيبه الخاص، أو أن يقيم موظفين كويتيين في الميناء يجبون رسوم الجمارك على بضائع نجد طبقاً لما تحدده حكومة نجد. وقد قوبلت اقتراحات عبد العزيز الثلاثة بالرفض، وتعرضت الكويت، التي كانت تحرص على أن تظل سياستها الاقتصادية محررة من السيطرة النجدية، إلى حصار اقتصادي استمر لسنوات طويلة، أرسل أحمد الجابر ولي عهده وابن عمه عبد السالم إلى الرياض في 1923م في محاولة للوصول إلى حل لمشكلة المقاطعة الاقتصادية ولكن بعثته لم تُفضي إلى شيء، لاحقاً اقترح عبد العزيز أن يُعاد تنظيم تحصيل الجمارك الكويتية بواسطة موظف بريطاني يتم انتدابه من البصرة أو الهند، وقد رفض أحمد الجابر هذا الاقتراح كذلك. شدد عبد العزيز حصاره على الكويت وضاعف رسوم رسو سفن صيد اللؤلؤ الكويتية في موانئه في الأحساء.

لم يكتفِ عبد العزيز بمقاطعة الكويت، التي تعتمد في اقتصادها على التجارة بشكل أساسي (8)، لكنه بدأ يتغاضى شيئاً ما عن هجمات الإخوان على الكويت، وقد تعرضت الكويت طيلة السنوات من 1924م إلى 1928م لغزوات متلاحقة من زعماء الإخوان كابن حثلان (زعيم العجمان الذي قاد التمرد ضد عبد العزيز خلال معركة جراب 1915م) وترحيب بن شقير وفيصل الدويش، وما كانت الكويت لتصمد أمامها إلا بمساعدة القوات البريطانية التي كانت تحرص على إبعاد الإخوان عن الكويت، لأنهم وبدخولهم للكويت يقتربون من القاعدة الجوية البريطانية في البصرة، لكن الخلافات بين عبد العزيز والإخوان تفاقمت حتى أبلغ الأول السلطات البريطانية بأنه غير مسؤول إطلاقاً عن أي تصرفات تبدر منهم سنة 1927م، وبعد هذا التاريخ، ورغم تعرض الكويت لهجوم الرقعي في 28 يناير 1928م تعرض على إثره الشيخ علي الخليفة الصباح للإصابة فيما قتل علي السالم الصباح أثناء ملاحقة المهاجمين في حفر الباطن، إلا أن الكويت أصبحت تتغاضى بدورها عن تواجد الإخوان في أراضيها بعد إعلانهم للثورة على عبد العزيز، وبخاصة قائدهم الأبرز فيصل الدويش. حاول عبد العزيز مراراً أن يقنع البريطانيين بملاحقة الثائرين أثناء هربهم إلى الكويت، لكنهم رفضوا دائماً أن يضع مقاتل نجدي واحد قدمه في أرض الكويت مهما كانت الظروف، واكتفوا بوعده بأن تظل الكويت على الحياد في صراعه مع الإخوان وزوده بدعم لوجستي نوعي للقضاء على ثورتهم خوفاً مع اختراقهم للحدود مع العراق وشرق الأردن. 

كثفت بريطانيا اتصالاتها مع أحمد الجابر وطلبت منه الكف عن مساعدة الإخوان، وقد وافق أحمد بشرط أن تساعده بريطانيا على إقناع عبد العزيز بوقف مقاطعته الاقتصادية للكويت وضمان أمن وسلامة الإمارة، وافقت بريطانيا ووعدت أمير الكويت بالتدخل لدى عبد العزيز لاحقاً والذي استطاع بتحييد الكويت وكذلك الأردن والعراق أن يقضى على ثورة الإخوان في 1930م. حاولت بريطانيا التدخل سلمياً لدى عبد العزيز لإنهاء الخلاف مع الكويت، وقد تبادل الجانبان الزيارات الديبلوماسية خلال عقد الثلاثينات، فزار أحمد الرياض في 1930م و 1934م كما زار عبد العزيز الكويت في 1936م وقد كان أرسل ابنه فيصل إلى الكويت في 1932م، ولكن  مجهود هذه الزيارات لم يُسفر عن شيء يُذكر، ربما ظن عبد العزيز أن بريطانيا قد استنفذت وسائل ضغطها عليها بعدما قطعت عنه المعونة المالية نتيجة لرفضه لسحب امتياز التنقيب عن النفط في الأحساء من الشركة الشرقية العامة (1923م) وهي الشركة التي يمثلها الضابط النيوزيلندي فرانك هولمز، لكن البريطانيين، وبعد اضطرارهم للجلاء عن العراق في 1932م وفقدانهم سيطرتهم على ميناء البصرة، لم يكونوا ليجازفوا بفقدان ميناء آخر في الخليج، ولا بأن يسمحوا بأن يشاركهم عبد العزيز السيطرة عليه، خاصة وأنهم فقدوا أي فرصة للتأثير عليه اقتصادياً بعدما أعاد منح امتياز التنقيب عن النفط في الأحساء (المسحوب من الشركة الشرقية العامة في 1928م) إلى شركة أمريكية في 1933م. لذلك، قام البريطانيون أخيراً بفرض إغلاق على موانئ الأحساء ومنع أي سفينة تجارية من الرسو فيها، فاضطر وقتها عبد العزيز إلى انهاء الحصار ووقع اتفاقية للتعاون التجاري مع الكويت.

بدأ وضع العلاقات الثنائية بين البلدين بالتحسن تدريجياً، ووقعت الكويت والسعودية اتفاقية للدفاع المشترك في 1947م، وقد تم حل جميع المشكلات العالقة بما في ذلك تقسيم المنطقة المحايدة بين البلدين واقتسام نفطها طبقاً لاتفاق تم إنجازه بين البلدين في عام 1960م.

--------------------------

(1) أمر سالم المبارك بإقامة سور للكويت في 1920م وكان ثالث سور يُبنى حول المدينة بعد سوري 1780م و 1814م. كان طول السور يبلغ حوالي 7 كلم، بعرض 3 متر وارتفاع 4 متر مع رصيف وفتحات للرماة، بُني السور بمساعدة الأهالي وتم بناءه في شهرين، من مايو إلى يوليو 1920م وكان له أربعة بوابات وأضيف لها بوابة خامسة لاحقا، هدم السور في 1957م نتيجة للتوسع العمراني ولم يتبق منه سوى بواباته الخمس.

(2) بالرغم من أن مؤرخين عدة ومنهم مؤرخان كويتيان، وهما عبد العزيز الرشيد وحسين خلف الشيخ خزعل قد افترضوا براءة عبد العزيز من مسؤوليته تجاه هجوم الدويش على حمض، إلا أن احتمالية مسؤولية عبد العزيز تظل قائمة، خاصة وأن هجوم الإخوان عن حمض والجهراء كان وسيلة ناجعة للضغط على الكويت من جهة، والادعاء بفقدان عبد العزيز للسيطرة على إخوانه ينجيه من إحراج مخالفته لمواد اتفاقية دارين - العقير والتي ألزمته بعدم التعدي على جيرانه وحل مشاكله معهم سلمياً.

(3) كان جون فيلبي قد اقترح على حكومة بريطانيا في الهند ضم الكويت إلى أملاك عبد العزيز كوسيلة لتأمين الطريق الواصل بين الخليج والشام ومنع عمليات تهريب المعونات والذخائر لمعسكرات العثمانيين في سورية والتي رعاها سالم خلال الحرب الكبرى بمساعدة بعض القبائل ومنها قبائل العجمان، رُفض اقتراح فيلبي واكتفت بريطانيا بحصار الكويت عبر البحر.

(4) بحسب ما أورد حسين خلف الشيخ خزعل في كتابه عن تاريخ الكويت، فقد قال فيلبي لسالم المبارك: (لو كنت أكثر واقعية لأدركت أن الحكومة البريطانية لا يمكن أن تخاصم ابن سعود من أجلك).

(5) تذكر بعض المصادر أن عبد العزيز، وما أن وصل خبر وفاة سالم، قام على الفور بتمزيق جميع الأوراق التي حوت ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين وقال مخاطباً الأمير أحمد الجابر: أما الآن فحيث صار إليك الأمر فلا أرى حاجة لشروط أو تحفضات، فأنا لك سيف مسلول اضرب بي من شئت وأنت أولى بالقبائل التي تحت أوامري ولك أن تؤدب من تشاء إذا بدر منها أي اعتداء على رعاياك، أما حدود الكويت فإنها ستمتد إلى أسوار الرياض ولا أقبل أن تكون بما قطعنا به آنفاً).

(6) كان عبد العزيز يخشى من التدخل الهاشمي (الحجازي) في شؤون سلطنته، وخاصة بعد إعلان الشريف حسين نفسه ملكاً على العرب وتقديم نفسه للجماهير العربية كإمام للثورة، وقد راسل عبد العزيز السلطات البريطانية في 1917م مطالباً إياها بترسيم وتوضيح الحدود بينه وبين مملكة الحجاز.

(7) تحركت قبائل شمر عن حائل على إثر سيطرة عبد العزيز عليها في 1921م ونزحت إلى الشناقية والسماوة والزبير فيما نزحت قبائل الظفير إلى الناصرية وسوق الشيوخ، وقد اندلع نزاع مسلح بين الظفير يساندهم عدد من قبائل العراق وهجانة لواء المنتفك من جهة وفيصل الدويش وإخوانه من جهة أخرى في 21 مارس 1922م وكان الوضع في تلك الحالة يهدد بالمزيد من التفاقم إن لم تتدخل بريطانيا لحسم الأمور.

(8) اكتُشف النفط في الكويت لأول مرة في 1938م ولم يبدأ تصديره إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

---------

للاستزادة:
1- حسين خلف خزعل، تاريخ الكويت السياسي (خمسة أجزاء).
2- H. R. P. Dickson, Arabs of the desert
3- إسماعيل ياغي، العلاقات السعودية الكويتية في النصف الأول من القرن العشرين.
4- مفيد الزيدي، عبد العزيز آل سعود وبريطانيا دراسة في السياسة البريطانية تجاه نجد 1915 - 1927.
5- فاسييليف، تاريخ العربية السعودية.
6- محمد حسن العيدروس، دراسات في الخليج العربي (جزئين).
7- أمين الريحاني، تاريخ نجد وملحقاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق