صورة حديثة لمتحف قصر آل رضوان أو قصر الباشا (الدبوية) بوسط غزة |
لتحميل الدراسة على هيئة ملف PDF اضغط هنا
توطئة: من
المماليك إلى العثمانيين
اجتاح
العثمانيون سورية بنجاح بعد انتصارهم في معركتهم الفاصلة ضد المماليك في مرج دابق
في الرابع والعشرين من آب 1516، ولم تواجههم أيَّة معضلة في الاستيلاء على المدن
والبلدات الممتدة على طول البر السوري من حلب إلى الخليل، عسكر السلطان العثماني (ياووز
سليم)[1] في دمشق التي استقبل فيها
وفود القبائل والقوى المحلية في سورية وقبل منهم البيعة وفروض الطاعة والولاء وخلع
عليهم علامات السيادة، بينما قسم من جيشه تحت قيادة الصدر الأعظم (سنان باشا
الخادم) يمشط الساحل الجنوبي لسورية حتى مدينة غزة، والتي كانت ضمن المدن السورية
القليلة التي استعصى فتحها على العثمانيين بدون قتال. استطاع (سنان باشا) أن يسيطر
على غزة في النهاية، وعسكر فيها بانتظار أوامر بالتحرك وبدء الزحف إلى مصر.
غرقت القاهرة
في الاضطرابات بسبب ما ورد من أخبار الهزائم المتوالية في بلاد الشام بحسب ما روى
(ابن إياس)، ويبدو أن الوضع المتردي للإدارة المملوكية قد انعكس سلبًا على حماسة
المماليك للخروج للقتال، وبعد مفاوضات صعبة مع مماليكه بشأن أجورهم ومستحقاتهم
المالية المتأخرة منذ فترة طويلة، لم يستطع سلطان مصر الجديد (أبو النصر طومان
باي) إلا أن يجرد حملة لم يتعدَ قوامها الخمسة آلاف جندي، خرج على رأسها نائب دمشق
وحماة سابقًا (جان بردي الغزالي) برفقته نائب غزة المعين حديثًا (دولات باي)،
بالإضافة لمقدمٍ واحدٍ فقط من مقدمي المماليك يُدعى (أرزمك الناشف)، فيما تقاعس
بقية المماليك عن إدراك (الغزالي) مستغلين حقيقة كونه خرج من القاهرة قبلهم! جنَّد
(الغزالي) بعض القبائل البدوية المرابطة على طول الطريق إلى القاهرة وانطلق بهم في
محاولة لاسترداد غزة وكسب موطئ قدم يصنع منه المماليك خط جبهة متقدم في وجه
العثمانيين بهدف تعطيل مسيرهم إلى مصر، وقابل (سنان باشا) بالقرب من خان يونس[2] جنوب غزة في الحادي عشر من
كانون الأول 1516، وعلى الرغم من صمود (الغزالي) إلا أن الدائرة دارت عليه وعلى
مماليكه وأصيب بنفسه في المعركة وعاد مع قادته إلى القاهرة مهزومًا.[3]
وصلت
أنباء متضاربة بشأن نتيجة المعركة إلى غزة، ويبدو أن الخبر الذي أُشيع كان انتصار المماليك
واستعدادهم للزحف على المدينة، وحسبما يبدو من الأخبار فإن (علي باي دوادار[4]) نائب غزة السابق قد ظل في
المدينة مع جمع من رجاله، أغلبهم من أجناد الحلقة،[5] متخفيًا عن أنظار
العثمانيين، وما أن سمع بإشاعة انتصار المماليك في خان يونس حتى انتفض هو وجنده ضد
الحامية العثمانية الصغيرة التي تركها (سنان باشا) لحفظ الأمن في المدينة، وقتل
رجالها الأربعمائة، ويبدو كذلك أن بعض أهل المدينة من الموالين للمماليك قد عاونوه
في ذلك. وصل (سنان باشا) إلى المدينة مزهوًا بنصره، وفُوجئ بمشهدها الخالي من جنوده،
لم يطل الأمر قبل أن يضع (سنان) أهل المدينة تحت طائلة انتقام طائش، إذ وضع فيهم
السيف، وارتكب بحقهم مذبحة رهيبة أودت بحياة ألف شخص على الأقل، بدون أي تمييز.[6]
من السهل
الإطناب دومًا في الحديث عن الأهمية الاستراتيجية التي تمتلكها غزة بسبب موقعها
كأهم محطة حضرية على الطريق الساحلي الواصل بين قارتين، وبين إقليمين طالما شكل أحدهما
مفتاح الأمن والوقاية من الغزو الخارجي بالنسبة للآخر، فما مر غزو لمصر انطلاقًا
من سورية إلا وعبر من غزة، والعكس صحيح، وقد حلت لعنة المكان هذه على غزة في كل
الأزمنة بدءًا من غزوات الفراعنة للشام واحتلال الآشوريين لمصر، وانتهاءً
بالاحتلال البريطاني لفلسطين في 1917، والاجتياح الصهيوني لغزة خلال العدوان
الثلاثي على مصر وعدوان العام 1967. تملك غزة أيضًا مقومات اقتصادٍ مستقر، فالطريق
الواصل بين مصر والشام عبر غزة استخدم كطريقٍ تجاريٍ في معظم فترات تاريخ المدينة
في العصور القديمة والوسطى، وليس كطريقٍ حربي فحسب، وتمثل الأراضي الزراعية معظم
مساحة المدينة والبلدات المحيطة بها، ناهيك عن شاطئها المستوي المناسب لإنشاء
المرافئ. في ذات الوقت، انقطعت غزة عن جميع المراكز الحضرية المحيطة بها، مهما بلغ
قربها منها، بواسطة تجمعات بدوية طالما كانت عاملًا مؤرقًا لجميع أهلها وحكامها
وسببًا في تضعضع اقتصادها لأجل ما تتسبب به من اختلالٍ دائمٍ في العامل الأمني، فغزة
التي أمضت معظم تاريخها جزءًا من دول إمبراطورية الطابع ولم تستقل بحكمها بعد دخول
قارة آسيا عصر الإمبراطوريات، ظلت تعاني، مثل أي مراكز حضرية تقع تجمعات البدو على
هامشها، من استقرار مؤرق ومرتبك، يتميز قبل أي شيء بالهشاشة، ويمكن أن يضيع بسهولة
بسبب طبيعتها الجغرافية التي تجعل الدفاع عنها، ليس مستحيلًا، ولكن صعبًا للغاية
بدون احترازات مكلفة تكاسلت معظم الإمبراطوريات التي حكمت غزة عن اتخاذها، خاصة
إذا ما توفرت سبل أخرى لتأمين حركة النقل التجاري بين مصر والشام،[7] أو إذا ما مرت
الإمبراطوريات هذه بفترات من الضعف والتراجع، خاصة وأن غزة وإن امتلكت قلاعًا
حصينة في كثير من الفترات، إلا أنها نادرًا ما تمتعت برفاهية الدفاع عن نفسها
انطلاقًا من داخل سورٍ حصينٍ يجمع المدينة بأكملها داخل موقعٍ تملك فيه الأفضلية
الدفاعية ضد أي هجوم. لقد كان المكان نعمة غزة ونقمتها والعامل الذي يمكن أن يُعزى
إليه غالبية عوامل أي نهضة تمتعت بها، والذي زُرع فيه أيضًا أسباب انهيار هذه
النهضة.
تهدف هذه
الدراسة إلى استعراض أهم محطات التاريخ السياسي لنيابة غزة المملوكية وسنجق غزة
العثماني منذ بداية خضوع غزة للسيطرة المملوكية وحتى نهايات القرن السابع عشر،
وستقدم في هذا الصدد عرضًا لأهم القوى السياسية المحلية التي نشطت في غزة خلال
العهدين المملوكي والعثماني، والعلاقة التي ربطتها بمراكز الحكم في القاهرة وإسطنبول،
وتأثيرها على مكانة غزة داخل الفضاء الفلسطيني، وعلى الوضع الاقتصادي في
المدينة كذلك، مع التركيز على فترة حكم أمراء غزة الأتراك من (آل رضوان) والذين أنشأوا
سلالة حكم توارثت إدارة غزة لعقود طويلة وساهمت بتشكيل معظم معالم النشاط السياسي
والاقتصادي في غزة خلال الطور المبكر من العهد العثماني في فلسطين.
غزة
المملوكية
شكلت غزة
نقطة نزاع على النفوذ بين السلطنة المملوكية في بداية عهدها الذي، ابتدأ فعليًا
بوفاة السلطان (الصالح نجم الدين أيوب)، وبين بقايا السلالة الأيوبية في الشام،
وبعد عدة جولاتٍ من الصراع حُسم أمر غزة لصالح المماليك بعد سيطرتهم على بلاد
الشام على إثر صدهم للغزو المغولي في معركة (عين جالوت) الشهيرة في الثالث من
أيلول 1260،[8]
وقد ظلت غزة تتبع نيابة دمشق من الناحية الإدارية خلال أول عقدين من الحكم
المملوكي على الأقل، ومن المُرجَّح أنها فُصلت لتشكل نيابة مستقلة في عهد السلطان
(المنصور سيف الدين قلاوون) في الربع الأخير من العام 1281، أي بعد ثلاثة سنوات
على تولي قلاوون للسلطنة، وقد تم ذلك بعد تمرد للعشائر البدوية هاجمت خلاله مدينة
نابلس وقد قمعه المماليك بقسوة وأسسوا على إثره نيابة غزة التي كان الهدف منها فرض
رقابة لصيقة على العشائر البدوية في المناطق المحيطة ومنعها من تكرار التمرد. على
أن ضبط الوضع الإداري للنيابة الجديدة في غزة لم يتم إلا في عهد السلطان (الناصر
ناصر الدين محمد بن قلاوون) في 1293،[9] وقد شملت نيابة غزة المساحة
الممتدة على الساحل من قيسارية إلى العريش، بالإضافة إلى القدس وبيت جبرين والخليل
وديرة بئر السبع وصحراء سيناء المصرية والتي تبعت لغزة إداريًا خلال العهد
المملوكي، وقد اشتملت نيابة غزة على عدة مراكز إدارية تبعت جميعها للمسؤول الإداري
الذي شغل منصب نائب غزة أو مقدم عساكرها، وكان من تسمياته أمير (أو ملك) الأمراء
كذلك.[10]
تفيد
الأخبار الواردة عن غزة خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر أنها كانت موضع
اهتمام المماليك، إذ تحولت، في غضون أربعة عقود كحدٍ أقصى، إلى مدينةٍ عامرةٍ ذات
اقتصادٍ قوي، وقد استفادت من تساهل الرعيل الأول من سلاطين المماليك مع الرعية
وحرصهم على تنمية جو من السلم الأهلي ونشر العدالة الاجتماعية كسبيل للتنمية
الاقتصادية. ويروي (محيي الدين بن عبد الظاهر) أن السلطان (الظاهر بيبرس) قد توقف
بغزة في 1268 خلال خروجه في حملة لصد هجوم مغلي على حلب، وقد بلغه فيها خبر يفيد
بتعرض عمالٍ لمجموعة من مماليكه لمزروعات بعض الحقول بالإتلاف، فجمعهم وجدع
أنوفهم، وقد شاهد أحد أمرائه ويُدعى (علم الدين سنجر الحموي) يسير في زرع أحد
الحقول بفرسه، فأنزله وأعطى الحصان بسرجه لصاحب الزرع.[11] احتوت غزة كذلك على مركزٍ
للبريد يصل الشام بمصر، وبنى فيها المماليك عدة أبراجٍ للحمام الزاجل، تولت مسؤولية
إيصال بريد العاصمة إلى القدس والخليل ونابلس والقدس والكرك وصفد ودمشق.[12]
لكن بجميع
الأحوال، فإن أهمية غزة بالنسبة للمماليك لم تتجاوز الجانب الاستراتيجي، ولذا فإن
التحسن على وضعها الاقتصادي وإن انعكس إيجابًا على وضعها الاجتماعي، متمثلًا بعدد
السكان بشكلٍ خاص، لم يشمل بأي حال وضع الحالة الثقافية في المدينة، وبدون إهمال
أن فلسطين لم تكن يومًا مركزًا ثقافيًا ذا شأن في العصور الإسلامية، إلا أن الوضع
في غزة بالذات كان أكثر سوءًا ويبدو أنه ظاهرة عامة ميزت غزة على الدوام حسبما
تؤكد بعض ملاحظات الرحالة المسلمين خلال العصور الإسلامية المختلفة، وطبقًا لشهادة
(محمد العبدري الحاحي) وهو رحالة مغربي زار غزة خلال سلطنة (الأشرف صلاح الدين
خليل بن قلاوون) (1290-1293)، فقد كانت غزة:
"
... مدينة متسعة عامرة لا سور لها [...] وهي أكثر عمارةً من كل ما تقدم [...] من
بلاد الشام، وهي جسر إلى مصر وإلى الشام، وبها أسواق قائمة ومساجد معمورة، ولها
جامع مليح حسن، ولكنها قد عُريت من عالم أو متعلم وأقفرت من فقيه ومتكلم [...]
وهذا أمر شمل هذا الأوان المدن والقرى، وعم بحكم القدر أصناف الورى، ولا حول ولا
قوة إلا بالله"[13]
لكن بجميع
الأحوال لم يكن الوضع في غزة ليستمر على ما هو عليه لفترة طويلة، لقد حُكم على
نفوذ الدولة المملوكية في الشام بالتلاشي التدريجي نتيجة للتآكل البطيء، المستمر
في نفس الآن، داخل منظومة الحكم في العاصمة القاهرة، إلا أن تأثير هذا التراجع قد
ظهر على غزة بشكلٍ مضاعف، صحيح أن جميع مناطق سورية قد تعرضت لبطش النواب ولانهيار
الأوضاع الاقتصادية، إلا أن محيط غزة المليء بقبائل بدوية تترصد بمنتهى التأهب أي
بادرة ضعف من المراكز الحضرية المحيطة لتفتك بها، قد زاد من سوء الأوضاع في تلك
المدينة بالذات، خاصة وأن الوضع الاقتصادي المتردي انعكس بدون شك على هذه القبائل
نفسها، ما جعل زيادة نشاطها العدائي ضد المراكز الحضرية المحيطة أشد ضرورة وضراوة
على السواء. يمكن استقراء تأثير انهيار الوضع الأمني على غزة من خلال فحص قائمة
النواب ومقدمي العساكر الذين عُيِّنوا عليها منذ تأسيسها وحتى انهيار الحكم
المملوكي في 1516، والذي بلغ حوالي 231 نائبًا ومقدمًا، في مقابل 146 نائبًا
ومقدمًا لنيابة صفد التي تأسست قبل نيابة غزة بسبعة سنوات على الأقل،[14] ولكن التغير المستمر في
شاغلي منصب النائب، والذي كان بالنسبة للمركز المملوكي في القاهرة حلًا سريعًا
وسهلًا – بل وضروريًا في بعض الأحيان – لتجاوز معضلات الإدارة السيئة والوضع
الأمني المنهار، لم يكن ليؤتي ثماره في ظل وضع السلطنة العام الذي كان يتجه
بالتدريج نحو مزيدٍ من التراجع.
نشطت في
محيط غزة عشائر تتبع عددًا من القبائل أهمها جرم التي تعود بأصولها إلى قبائل طيء،
وكذلك جذام التي تعود بأصولها إلى قبائل قحطان،[15] وقد هادنت هذه القبائل سلطات
القاهرة وتولت بنفسها، في مرحلة مبكرة من العهد المملوكي، مسؤولية حماية طرق النقل
وخطوط البريد، كما أنها قدمت مساهمات في التصدي لمحاولات الاجتياح المغولي للشام
تحت الراية المملوكية كذلك، إلا أن الخلافات في مجملها طغت على طبيعة العلاقات
بينهم وبين مركز السلطنة. وثَّقت الروايات أول صدام مسلح بين الطرفين إثر سلسلة من
الهجمات على مدن نابلس وغزة والرملة في تشرين الأول 1281، وقد تصدى السلطان (قلاوون)
للبدو بحملتين عسكريتين انطلقتا من دمشق والقاهرة في الآن نفسه، ولم تكفيا، على ما
يبدو، لردع البدو أو لتأديبهم، فقد عادوا مجددًا لمهاجمة الرملة، وهو الأمر الذي
استدعى من مقدم عساكر غزة، الأمير (علاء الدين أيدكين الفخري)، الخروج لنجدة
الرملة، واستطاع حصارهم والبطش بهم وألقى القبض على زعمائهم فشنق اثنين وثلاثين
منهم دفعة واحدة وسجن الباقين في قلعة صفد، وقد حفز هذا الهجوم السلطان (قلاوون) على
إنشاء نيابة غزة وتعيين الأمير (علاء الدين) نائبًا عليها،[16] وقد ظهر تحرك البدو هذا ضد
المدن المحيطة بهم نتيجة مباشرة للاضطراب الذي أدت إليه ثورة نائب دمشق، الأمير
(سنقر الأشقر)، في نيسان 1280، والذي أدى لفصل جزء من نيابة دمشق عن السلطنة، مع
الأخذ بالاعتبار أن البلاد لم تكن قد تخلصت بعد من الخطر المغولي، ولا يزال
يتهددها خطر الوجود الصليبي في عكا.
تتعدد
حوادث البدو وتعدياتهم على مدن جنوب فلسطين بعد ذلك، وعلى الرغم من أن الهدوء قد
ساد المنطقة بعد حملتي السلطان (قلاوون) وحملة الأمير (علاء الدين أيدكين) لمدة تجاوزت
سبعة عقودٍ على الأقل، إلا أن الاضطراب عاد ليسود مرة أخرى خلال النصف الثاني من
القرن الرابع عشر الميلادي نتيجة لهجرة قبيلة ثعلبة من شمال الجزيرة العربية إلى
جنوب فلسطين، وقد اشتعل الخلاف فورًا بين القادمين الجدد وبين قبيلة جرم المحلية،
وقد حاول نائب غزة المملوكي الأمير (يلجك) المعين حديثًا[17] في آذار 1349 مناصرة جرم
بنفسه ولكنه هُزم بقسوة على يد ثعلبة وعرضوه لإهانة عظيمة وكادوا أن يفتكوا به،
وعاد مهزومًا لغزة وعُزل عن نيابتها، وقد تجرأت ثعلبة بعد انتصارهم على ممثل
السلطنة في غزة فوسعوا نطاق غاراتهم لتشمل غور الأردن ونابلس والخليل والقدس
والرملة واللد، ووصلت بدون شك إلى غزة، وقد سيطرت ثعلبة على طريق البر الواصل بين
الشام ومصر وحاق الخطر بكل من تجرأ على سلوكه للتنقل بين الإقليمين بما يشمل كذلك
حركة البريد. أجبرت غارات بني ثعلبة السلطنة على تجريد حملة عسكرية بقيادة الوزير
الأمير (سيف الدين دلنجي)، وقد وصلت أخبار حملة الأمير (دلنجي) إلى جنوب فلسطين
وهربت على إثرها ثعلبة من مواقع تمركزها وانسحبت إلى بر الحجاز، فيما استغلت جرم
الفرصة وهاجمت المنسحبين وأوقعت فيهم الكثير من الخسائر. وعلى إثر تلك الأخبار عادت
حملة (دلنجي) إلى القاهرة قبل عبورها من بلبيس، وذهب (دلنجي) بنفسه ليستقر بغزة
التي عُيَّن نائبًا عليها.
لم يطل
الأمر قبل أن تبدأ قبائل جرم بالتجهز للإغارة على اللد والرملة، ويروي المقريزي
وابن الفرات عن أحداث الصراع بينهم وبين أمراء المماليك، والذي انتهى بنجاح أمراء
المماليك أولًا في إلقاء القبض على (أديّ بن الفضل) شيخ جرهم ونقله إلى القاهرة، ونجاحهم
أيضًا في كسر هجوم مضادٍ لأخيه على غزة، استمر لثلاثة أيام وانتهى بمقتله،[18] وقد نجحت هذه الأحداث في
كسر شوكة جرم لفترة طويلة، إلا أن ذلك لم يعنِ بأي حال توقف إزعاجات البدو
وحملاتهم ضد المماليك، ونهبهم للمدن والقرى المحيطة بنطاق نفوذهم، وقد استحثت
أخبار وصول (تيمورلنك) إلى الشام في بداية القرن الخامس عشر هجرة جماعية باتجاه
مصر خوفًا من السفاح الشهير، فلم يسلم المهاجرون من بطش البدو كذلك، وجرى على
الهاربين منهم من القتل والنهب ما لم يجر من عسكر (تيمورلنك) نفسه، حسبما تصف
الروايات،[19]
وقد تزامن هجوم تيمورلنك على الشام مع تفشي الجراد في فلسطين والذي أهلك المحاصيل
الزراعية وانتشرت المجاعة في البلاد "حتى أكل الناس أولادهم".[20]
كان لجرم
أيضًا دورٌ في الخلافات السياسية داخل صفوف المماليك أنفسهم، ففي تشرين الثاني
1401، وبينما كان خطر (تيمورلنك) يتهدد الشرق الأدنى بأكمله، نشب الخلاف بين نائب غزة
الأمير (صُرق) وحاجبه الأمير (سلامش)، وبعد انكسار (سلامش) ضد سيده استنجد بشيخ
جرم (عمر بن الفضل)، والذي نجح بالتعاون مع (سلامش) ورجاله في هزيمة (صرق) وأسره
ثم قتله، وتعرضت غزة للنهب من قِبل جرم بالتعاون مع مماليك (سلامش) كذلك.
يجمل
(سهيل زكار)[21]
كذلك ذكر صدامين آخرين خلال القرن الخامس عشر فرضت فيهما جرم كلمتها على مماليك غزة،
أولهما في 1422 والآخر في 1445، وقد نتج عن الأخير مقتل نائب غزة الأمير (طوخ)
وإصابة نائب القدس الأمير (طوغان)، كما كان سببًا في انعدام سلطة الدولة ونوابها
على تلك المنطقة تقريبًا، وعلو كعب جرم على معظم القبائل المجاورة لها كذلك، وقد
ظل الوضع هذا على سوئه حتى مجيء الحملة العثمانية في 1516، لدرجة أن سائحًا
إيطاليًا يُدعى (ميشو لام) قد أورد خلال سفره من مصر إلى فلسطين في 1481، نقلًا عن
بعض أهل القرى المحيطة بغزة، أن المرور الآمن على الطريق الواصل إلى المدينة يتطلب
حراسة جيش مكون من أربعة آلاف جندي على الأقل،[22] وعلى الرغم من أن (ميشو
لام) يُوضح أن هذا الخبر لم يكن إلا مبالغة فحسب، إلا أنه يبين قدر ما بثته القبائل
البدوية من رعبٍ على الطريق، فلم يكد يمضي يوم من دون انتشار أخبارٍ عن تعرض قطاع
الطرق للقوافل والمسافرين بين المدن، فيقتلون التجار وحرسهم وينهبون بضائعهم.
غزة
العثمانية
وصل (ياووز
سليم) إلى غزة في بداية 1517 ومكث فيها ثلاثة أيام احتفل فيهن بعيد الأضحى، وبعد
زيارة سريعة للخليل انطلق مع ما تبقى من جيشه نحو مصر حيث اتجه إلى القاهرة والتحم
مع المماليك في معركةٍ فاصلةٍ أخرى قرب الريدانية (شرق المنصورة حاليًا) في الثاني
والعشرين من كانون الثاني 1517، حاز فيها النصر ضد السلطان (طومان باي). لقد اعتمد
المماليك على كل ما تبقى لهم من خيارات عسكرية متاحة من أجل التصدي للعثمانيين في
البر المصري، ومن ضمنها بالطبع كانت القبائل البدوية التي شنت هجمات منظمة على
أجنحة الجيش العثماني أثناء مسيره عبر صحراء سيناء، وعلى الرغم من أن العثمانيين
عبروا سيناء بثلث تعداد الجيش[23] الذي قاتلوا به في مرج
دابق إلا أن القبائل البدوية،[24] أو من رغب منهم بالقتال ضد
العثمانيين على الأقل، لم يكن لهم قِبَلٌ بعشرين ألف من المقاتلين المخضرمين هم
مجموع من اجتاح مصر رفقة (ياووز سليم)، كما لم ينجحوا في تعطيل مسيرة الجيش حيث
استطاع قطع المسافة من غزة إلى الريدانية خلال ثلاثة عشر يومًا فحسب. [25]
عاد (سليم)
إلى الشام بعد أن استقر له الأمر بالقاهرة[26] بعد ثمانية أشهر،[27] ومر بغزة وأقام بها عدة
أيام وولى عليها (جان بردي الغزالي)، نائب دمشق المملوكي سابقًا،[28] ومن ثم عيَّنه على إيالة
دمشق وأوكل مهمة إدارة غزة لأميرٍ جركسي يُدعى (علي بك قرة موسى) ظل حاكمًا عليها
حتى 1520 على الأقل (عشية تمرد الغزالي)، وانتقلت بعد ذلك إلى أمير آخر يُدعى (جان
بلاط) سبق وأن تولى نيابة غزة خلال العهد المملوكي، وقد أُوكلت إليه مهمة قيادة
قافلة الحج الشامي في ذلك العام.[29]
من
الجدير بالذكر أن كثيرًا من المناطق المفتوحة خلال حملة (سليم) على الشام ومصر قد
عُهد بها إلى حكام من وجهائها، ينتمون إلى طبقة من الأعيان المحليين الذين ظلوا
موجودين في مواقعهم التقليدية والمتوارثة مع بداية العهد العثماني، بل إن المماليك
في مصر ظلوا على نفوذهم السابق داخل السلطنة الجديدة وهو نفوذٌ بقي على درجة عالية
من القوة حتى بداية عهد (محمد علي باشا) في القرن التاسع عشر، وقد كانت سياسة
العثمانيين واضحةً بالاستعانة بالعناصر المحلية، ولم يقدموا موظفين رسميين
لتعيينهم في مواقع القيادة إلا وقتما اضطروا لذلك، وعُهد لهم بمهمة مراقبة القوى
المحلية وضبطها، وبالنسبة لمدينة غزة وتجمعات القرى المحيطة بها، فلم يتواجد بها
في ذلك الوقت أية قوى محلية يمكن أن يُعتد بها سوى القبائل البدوية في ديرة بئر السبع
والتي لم تكن موضع ثقة العثمانيين بأي حال ولم يكونوا مؤهلين لشغل مواقع إدارية،
بخلاف ما أظهرته هذه القبائل من عداءٍ مستمرٍ لمراكز السلطة، ولذا فإن غزة قد
حكمها موظفون أتراك مع بعض من تبقى من أمراء المماليك، وربما كان هذا السبب الذي
أدى لإهمال غزة خلال أول ربع عقدٍ مضت على السيطرة العثمانية، وقد تعرضت غزة، مثل
الكثير من المدن الشامية، للتخريب على يد الجيش العثماني خلال حملة (ياووز سليم)،
ولم يهتم (سليم) أو أي من أمرائه الذين عينهم على غزة، أتراكًا كانوا أم جراكسة،[30] بإعادة إعمار المدينة.
ويمكن القول إن غزة ظلت تسير في ذات الفلك الذي كانت حبيسته خلال أواخر العهد
المملوكي، ولم يشهد هذا الأمر أي تغير إلا بوصول سلالة (آل رضوان) إلى الحكم في ستينات
القرن السادس عشر، والذين شهدت غزة مع وصولهم إلى موقع السلطة نهضة اقتصادية
وعمرانية مشهودة، خاصة وأنهم خططوا للبقاء داخل غزة واعتمادها مركز نفوذٍ متوارثٍ
للعائلة تحت السلطة العثمانية وهو ما نجحوا فيه لمدة زات عن قرنٍ وربع القرن على
الأقل.
آل رضوان
عُرفت
هذه العائلة باسم مؤسسها (رضوان مصطفى باشا) على الرغم من كونه ثالث من تولى حكم غزة
من أفرادها خلال العهد العثماني، بعد كل من أبيه (مصطفى باشا)، وأخيه (بهرام
باشا)، وقد حكم كلا الرجلين، (مصطفى) و(بهرام)، عديدًا من الإيالات العثمانية بعد
توليهم حكم سنجق غزة، وقد تنقلوا بين حلب واليمن ومصر وإيالات الأناضول، تولى (مصطفى)
إدارة غزة في 1543، ونُقل بعد سنة واحدة إلى حلب، ومن غير المعروف، بحسب المصادر
المتوفرة، متى تولى ابنه (بهرام) حكم غزة، ولكن المؤكد أنه نُقل بدوره من غزة إلى
حلب في حدود العام 1565، وهو ذات العام الذي بدأ فيه (رضوان) حكم غزة واستمر فيه
لمدة ستة سنوات قبل وفاته في 1571، وقد توفي في حلب أثناء زيارة لأخيه (بهرام)،
والي المدينة في ذلك الوقت، ودفن فيها.
انتقلت
مسؤولية إدارة غزة إلى الأمير (أحمد باشا رضوان) بعد وفاة أبيه في 1571، وقد شهدت
العائلة في عهد (أحمد باشا) ترسيخ اسمها واحدةً من أهم السلالات التي توارثت الحكم
والنفوذ داخل السناجق الفلسطينية في إيالة دمشق خلال الطور المبكر للعهد العثماني،
كان (أحمد باشا) أحد أهم رجال الدولة العثمانية في سورية، وقد تمكن في واحدة من
السوابق النادرة من الحفاظ على منصبه لفترة استطالت حتى وصلت إلى حوالي ثلاثين سنة
متوالية، وهو الأمر غير المألوف في العرف الإداري العثماني، ولكن (أحمد باشا) نجح
في الاستمرار في منصبه، ورفض بإصرار عروضًا متواصلة من الباب العالي للانتقال إلى
إيالة حلب واليًا عليها، والتي كانت عاصمتها أكبر مدينة تجارية عربية في الفضاء
العثماني وإحدى أهم محطات القوافل على طريقي التوابل والحرير، وكان رفضه في سبيل
إبقاء غزة إقطاعًا متوارثًا له ولذريته من بعده،[31] وقد أثبت نفسه أمام الباب
العالي عديد المرات حتى أصبحت كلمته مسموعة لدى السلطات ومشورته نافذة بدون تأخير
ورأيه مقدم على غيره في عموم السناجق الفلسطينية، وقد كُوفئ ولاء (أحمد باشا)
المطلق للباب العالي بمنحه امتياز إمارة قافلة الحج الشامي لثلاثة سنوات على الأقل
(1588 – 1590)، بعد أن احتكر قيادتها أمير سنجق عجلون والكرك (قانصوة بن مساعدة
الغزاوي) لمدة خمسة عشرة سنة[32] وعادت لتمنحه ذات الامتياز
مرة أخرى خلال الفترة من 1594 حتى تقاعده في 1600 وتنازله عن حكم غزة لابنه (حسن
باشا آل رضوان)، وقد تُوجت العلاقة الفريدة التي رسَّخها (أحمد باشا) مع الباب
العالي بتعيين ابنه (سليمان) أميرًا على سنجق القدس، وابنه (محمد) أميرًا على سنجق
نابلس، والذي حاز امتياز إمارة قافلة الحج الشامي من موقعه في نابلس لستة عشرة سنة
متتالية.
من المهم
هنا التأكيد على الأهمية المركبة التي حازتها قافلة الحج الشامي بالنسبة للباب
العالي والنخب الحاكمة في سورية العثمانية، والتعقيد الذي صاحب امتياز الحصول على
إمارتها، فقافلة الحج بفرعيها، الشامي والمصري، دخلت ضمن اختصاص العثمانيين بعد
انتهاء حملة (ياووز سليم) على سورية ومصر، وقد شكلت حجر أساس في شرعية السلطان
الدينية باعتباره خلفية للمسلمين، ولذا فقد أولى الباب العالي جل اهتمامه لإنجاح
موسم الحج وعبور القوافل عبر مصر وسورية إلى الحجاز وعودتها منه بسلام، وقد كانت
القافلة تخدم غرضًا اقتصاديًا بخلاف طابعها الديني، فهي قافلة تجارية بكل ما تحمله
الكلمة من معنى، وقد شكل موسم الحج رابطًا تجاريًا وثيقًا بين أقاليم الفضاء
العثماني المختلفة، وقد سافر التجار رفقة القافلة من سورية ومصر إلى الحجاز طلبًا
للحماية التي توفرها، ولذا فقد تزايدت حمولة القافلة وازداد تعداد مسافريها، وحملت
القافلة أطنانًا من البضائع في طريق ذهابها وعودتها، وهو ما جعلها هدفًا للقبائل
البدوية التي انتشرت مضاربها على امتداد قسم لا بأس به من طرق القافلة ومساراتها
داخل البر السوري شرق الأردن وغربه.
أجبرت
هذه الظروف الباب العالي على اتخاذ إجراءات خاصة لحماية القافلة، وقد قامت السلطات
العثمانية بتكليف أمراء سناجق فلسطين بمهام حماية طريق القافلة وتنظيفه من اللصوص
وقطاع الطرق وفرض سيطرة الدولة على القبائل البدوية المرابطة عليه بشتى الطرق
المختلفة، والتي تراوحت ما بين الإرهاب بالقوة وبين استرضائها بالمال، وقد ارتبط
رضى الدولة عن أمرائها في فلسطين على الدوام بقدرتهم على إثبات أهميتهم لمهمة
تأمين طرق القوافل التجارية وطريق الحج، وفي حين اختارت بعضهم أمراء لقافلة الحج
وفرضت عليهم تمويل قسط من تكاليفها، فقد كلفت الآخرين بتأمينها وحمايتها، ويتضح
بذلك أن التكليف بإمارة قافلة الحج لم يكن مجرد تشريف معنوي أو انعكاس لثقة الباب
العالي بقدرة المُكلَف على تنفيذ المهمة المنوطة به بنجاح، بل انطوى كذلك على تمكين
ضمني من سلطة سياسية، تحمل اعترافًا من الباب العالي بما راكمه الأمير المختار لقيادة
القافلة من نفوذ محلي، وتعبر عن رضاها عن أسلوبه في الإدارة والحكم.
لقد امتلك
(آل رضوان) في هذا السياق، وبداية من عهد (أحمد باشا)، تأثيرًا ملحوظًا على مصير
القافلة، ففي الأوقات التي لم يُكلف أحدٌ منهم بإمارتها، كان لزامًا عليهم فرض
سلطة الدولة وهيبتها على مساحةٍ واسعةٍ من الأرض، بغرض تأمين عبورها بسلام، وبخلاف
مسؤوليتهم عن قطاعٍ مهمٍ من طريق قافلة الحج المصري المارة بجنوب غزة عبورًا من
سيناء، فقد أُلزموا كذلك بحماية وتأمين طريقٍ جانبيٍ لقافلة الحج الشامي عُرف باسم
(الطريق الغزاوي)، وقد امتد عبر الساحل الفلسطيني إلى الحجاز مرورًا بغزة وديرة
بئر السبع والعقبة، وقد سلكته قافلة الحج الشامي في الأوقات التي خشي فيها أمير
القافلة من هجومٍ وشيكٍ عليها من قبائل شرق الأردن، أو أثناء الهرب من الهجوم وقت
وقوعه.[33]
لم يكن
من المستغرب إذًا أن يستخدم معظم المؤرخين المعاصرين للحقبة العثمانية[34] قدرة أمراء سناجق فلسطين
على (إرهاب العشير والعربان) كمعيار لقوتهم ونفوذهم، ولم يكن من المستغرب أيضًا أن
معظم من انطبق عليهم هذا المعيار قد استمروا في حكم سناجقهم لفترة طويلة (وأحيانًا
حتى وفاتهم، وأحيانًا أخرى أورثوا مناصبهم لأفراد آخرين من عائلتهم) وقد كسبوا
رضاء الدولة وثقتها، وهو ما يفسر بالضبط الحظوة التي حازها (أحمد باشا رضوان) عند
الباب العالي، واستمراره على رأس عمله طيلة ثلاثة عقود قضى منها تسعة مواسم على الأقل
أميرًا للحج، وقد تمكن في ختام فترة حكمه من التقاعد باختياره مع الاستفادة من
عائدات إقطاع كبير[35] وهو الامتياز الذي منحته
الدولة لكبار وزرائها فقط، على أن أهم ما دلل على العلاقة الوثيقة التي تمكن (أحمد
باشا رضوان) من إرسائها مع الباب العالي هو تكليفه بدورٍ رقابيٍ على باقي أمراء
سناجق فلسطين، وهو ما مكنه لاحقًا من النجاح في إقناع إسطنبول باستخدام ابنه
(سليمان) أميرًا على سنجق القدس، وابنه الآخر (محمد) أميرًا على سنجق نابلس لزيادة
فرص التعاون بين السناجق الثلاثة على فرض النظام وتمكين سلطة الدولة، وقد نجح
(محمد باشا) أمير سنجق نابلس من حيازة ثقة الدولة كما فعل أبوه، وأدى باسمها دورًا
رقابيًا على سناجق فلسطين بالإضافة لنجاحه في الاحتفاظ بإمارة قافلة الحج الشامي
لستة عشرة سنة على التوالي.
عهد
الباشوات
تقاعد
(أحمد باشا) في العام 1600 وحل ابنه (حسن باشا) مكانه في إمارة سنجق غزة، مخلفًا
وراءه عائلة (رضوان) في بسطة من القوة والنفوذ، وقد حكم أولاده الثلاثة سناجق
فلسطين من نابلس إلى غزة وسيطروا على معظم ما فيها من أماكن مقدسة ومسارات للحج
وشبكات تجارية إقليمية وتحكموا بالقسط الأوفر من مرافئها. لم يتوقف دور (أحمد
باشا) في دعم وجود عائلته في السلطة بعد تقاعده، فقد تبرع بترميم قلعة خان يونس
جنوب غزة من ماله الخاص، وقد أمَّت القلعة بأوامر صدرت من إسطنبول، بناء على نصيحة
(أحمد باشا) نفسه، قوة مشتركة من سنجق غزة والإيالة المصرية بلغت زهاء مئة فارس،
بهدف توفير حماية لطريق الحج،[36] لقد أدرك (أحمد باشا) ارتباط
بقاء (آل رضوان) في مواقعهم القيادية داخل غزة وفلسطين عمومًا بدورهم في حفظ الأمن
وفرض السيطرة على أية قوى محلية قد تتسبب بإرباكه.
يكشف ما
سبق جانبًا مهمًا من جوانب العلاقة التي جمعت بين (آل رضوان) وبين المركز
العثماني، ويكشف أيضًا عن الطريقة التي نظر بها (آل رضوان) لأنفسهم كحكامٍ لغزة
خلال بداية توليهم للحكم فيها، وقد سبقت الإشارة إلى أن غزة لم تكن من المناطق
السورية التي نجحت في إنتاج طبقة من الأعيان المحليين تراكم النفوذ وتشارك في
العمل السياسي، في الواقع، فإن المعلومات المحدودة المتوفرة عن غزة العثمانية لم تتحدث
عن أي نشاط سياسي مارسه أهل المدينة إلا في نهاية ستينات القرن الثامن عشر وقت
إعلانهم للثورة ضد والي دمشق (عثمان باشا الكرجي)،[37] وقد ظهرت خلال تلك الفترة
أول إشارة إلى تدخل طبقة العلماء في غزة في الشأن السياسي المحلي بعد طلبهم من
(عثمان باشا) تخفيف الضرائب عن أهل المدينة وهو ما استدعى بطش والي دمشق بهم. لقد بدأت
غزة عهدها العثماني بلا طبقة من الأعيان المحليين، وفي حال وجدت فقد اتسم بضعف
تأثيرها السياسي، وذلك على العكس من مناطق أخرى من سورية تمكنت نخبها وطبقة
الأعيان المحليين فيها من الاستمرار في مواقعها القيادية تحت الحكم العثماني
كالعائلات الحاكمة في جبلي لبنان وعامل على سبيل المثال، أما أمراء المماليك الذين
أقرهم العثمانيون على غزة عشية سيطرتهم عليها وحتى ثورة (جان بردي الغزالي) والي
دمشق في 1520، فقد تعرضوا لحملة إقصاء ممنهجة من المركز العثماني بعد قمع السلطان
(سليمان القانوني) لثورتهم.
تعاملت
السلطات العثمانية مع سنجق غزة لاحقًا بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع مراكز
الإيالات نفسها، فعينوا فيها أمراء أتراكًا ونقلوهم بعد فترات قصيرة من الحكم إلى
سناجق وإيالاتٍ أخرى، وقد انطبق ذلك حتى على (مصطفى باشا) الذي يعود إليه أصل
عائلة (آل رضوان) وعلى ابنه (بهرام باشا) كذلك، وقد حكم كلاهما غزة لفترة قصيرة
وانتقل بعدها بين الإيالات العثمانية حسبما جرت عليه العادة في العرف الإداري
العثماني، على أن (رضوان باشا) نفسه، مؤسس العائلة الحقيقي، كسر هذه الدائرة من
الانتقالات المستمرة وظل في موقعه قائدًا لسنجق غزة حتى وفاته، وهو ذات ما فعله ابنه
(أحمد باشا) وذريته من بعده.
لقد عمل
العثمانيون على "تدوير" كبار موظفيهم الإداريين بين الإيالات المختلفة، فنقلوهم
باستمرار بين الأقاليم وسمحوا لهم بالبقاء داخل كل إيالة لفترة قصيرة فقط لم تزد
في غالب الأحيان عن السنتين، لمنعهم من توطيد وجودهم الذي قد يغريهم بالخروج على
السلطان وإعلان التمرد، وقد انطبق ذلك على سنجق غزة أيضًا، والذي استمر في حالة من
التردي والفراغ السياسي بسبب هذه التنقلات المستمرة، على الرغم من أن موقع غزة كان
قادرًا على منحها اليد العليا في عملية صياغة السياسة المحلية في فلسطين، كما أن حالة
الضعف والتذبذب السياسي التي ترافقت مع التغيير المستمر لشاغل منصب أمير السنجق كانت
لتنعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي للمنطقة، بسبب ما سيرافقها من تردٍ محتملٍ
للحالة الأمنية التي كان استقرارها، في ذات الوقت، منوطًا بالاستقرار السياسي، وهو
ما سيضع، في ختام الأمر، قافلتي الحج الشامي والمصري أمام تحدياتٍ كانت السلطات
العثمانية في غنى عن مواجهتها.
لقد كانت
غزة إذًا فرصة سانحة بانتظار من يستغلها، ولم يكن صعبًا على (آل رضوان) إقناع
الباب العالي بأهمية شغلهم للموقع القيادي في سنجقها، وقد أدرك كل من (رضوان) وابنه
(أحمد) أنهم وفي حال تمكنوا من فرض سيطرة الدولة عل المدينة ومحيطها والطرق
المؤدية إليها وفرض الرقابة على القبائل البدوية المجاورة لها فإنهم سيتمتعون
بأفضل ما ميز حكم النخب العثمانية وطبقة الأعيان المحليين على السواء، فولاؤهم وقيامهم
بما أنيط بهم من مهام سيضمن لهم حظوة لدى الباب العالي وسيمكنهم من درجةٍ عاليةٍ
من النفوذ داخل بلاطه، وسيتمكنون من خلال هذا النفوذ من الحفاظ على سلسلة حكم متوارث
ومستقر ومن استغلال موقع غزة وسنجقها من أجل مراكمة الثروة والنفوذ والحصول على
موقع الصدارة داخل السياسة المحلية في فلسطين، وهو ما سينعكس بالضرورة على وضع غزة
اقتصاديًا واجتماعيًا كذلك.
لقد ساعد
حكم (آل رضوان) الحازم في ازدهار غزة تجاريًا بعد أن أصبحت الطرق المارة بها آمنة
وعامرة بالقوافل، كما أن غزة حاضرة مدينية لريف واسع (بروفنس) ضم ما يزيد على ستين
قرية على الأقل[38]
وهو ما سهَّل تحولها إلى سوق مركزي للمحاصيل التجارية، وقد ساعد ذلك في مراكمة
وزيادة عائدات سنجق غزة من الضرائب، وقد ساعد العائد المرتفع لإقطاع غزة على منح أمراء
(آل رضوان) لقب الباشوية والحصول على منصب "بايلرباي Beylerbey" أو أمير أمراء الذي كان يُمنح بالعادة لوزراء الإيالات (ولذا
فإن عهد (آل رضوان) في غزة يُسمى تاريخيًا باسم "عهد الباشوات")،[39] وقد كان من البديهي في ظل
هذه الظروف أن يتوسع دور (آل رضوان) القيادي في غزة ليتجاوز المدينة نفسها ويشمل
ما جاورها من سناجق فلسطين.
"عاصمة
فلسطين"
على
الرغم من أن (حسن باشا) قد تمكن من البقاء في السلطة لما يربو عن الأربعة عقود،
إلا أن أبرز ما ذكره به مترجموه كان حياة الترف التي انغمس فيها، كان (حسن) كثير
الزواج وله الكثير من المحظيات وأنجب عددًا كبيرًا من الأولاد حتى روُيَ عنه أنه
كان لا يستطيع التمييز بينهم،[40] ورُوي أنه كان مسؤولًا عن
بناء قصر (آل رضوان) في غزة المعروف باسم (الدبويا)،[41] والأصح أنه قام ببناء
الطابق الثاني منه أو ترميمه على الأقل،[42] انتقل مركز الثقل السياسي
في فلسطين في عهد (حسن باشا) إلى نابلس بسبب الجهود الحثيثة التي بذلها أخوه (محمد
باشا) أمير نابلس في هذا الصدد، لكن الثابت أن (حسن باشا) قد تمكن من الحفاظ على موقعه
بنجاح وقام في سبيل ذلك بتأدية المهام المنوطة به كأمير لسنجق غزة، فأمَّن الطرق
واهتم بحمايتها وصيانتها وسيطر على القبائل البدوية وسهل مرور البريد، كما أنه
اشترك في جهود صد غزو (فخر الدين المعني الثاني) لفلسطين،[43] وحارب ضده بجانب (أحمد بن
طرباي)، ظل (حسن باشا) أميرًا على غزة حتى وفاته في 1644، وانتقلت إمارة سنجق غزة
بعده إلى ابنه (حسين باشا)، ومن الجدير بالذكر أنه، وفي ضوء ما توفر من مصادر، لم
يحظَ (حسن باشا) بامتياز إمارة قافلة الحج الشامي طيلة سنوات حكمه، على العكس من
ابنه (حسين) الذي وُلِّي إمارة قافلة الحج في 1643 (قبل وفاة والده بسنة) إذ كان
يشغل في ذلك الوقت منصب أمير سنجق نابلس، وقد نُقل من نابلس إلى غزة بعد وفاة أبيه،
وبحسب وصف عارف العارف، فقد أحب (حسين) هذا غزة "واتخذها عاصمةً
لفلسطين"[44]
حظيت غزة
(آل رضوان) بأفضل مستوً من التوثيق التاريخي في فترة حكم (حسين باشا)، ويقدم لنا
كل من الرحالة العثماني (أوليا جلبي) والديبلوماسي الفرنسي (لوران دارفيو Laurent
d'Arvieux) وثيقتان تاريخيتان[45] عن الوضع السياسي
والاقتصادي والعمراني في المدينة، واللتان تتشابهان في محتواهما إلى حد بعيد على
الرغم من أن مسافة عشرة سنواتٍ على الأقل فصلت بين زيارة كل من الرجلين للمدينة،
إلا أن كلاهما، في ذات الوقت، رُعيت زيارته بتوجيهات شخصية من (حسين باشا) نفسه،
فزارا في معظم الأحيان ذات المناطق في المدينة ودوَّنا أوصافًا عن نفس المعالم
فيها، بل إن (دارفيو) شارك الباشا في رحلة سفر من غزة إلى الرملة كذلك.
يقدم
(أوليا جلبي) أول معلومة موثقة ومتاحة عن الواردات الضريبية لسنجق غزة خلال القرن
السابع عشر، ويوضح أن وارد الأمير يصل إلى أكثر من نصف مليون آقجة فضية سنويًا، بالإضافة
إلى ثمانين ألف قرش[46] تُجمع من قرى السنجق،
بخلاف ثلاثمائة آقجة من ضرائب مدينة غزة وأربعة آلاف قرش من قراها مخصصة كإيراد
سنوي لشاغل منصب القاضي الشرعي، وعلى الرغم من أن قرار إنهاء العمل بنظم الإقطاع
العسكرية (الخاص والزعامة والتيمار) قد صدر منذ منتصف القرن السادس عشر على الأقل،
إلا أن سنجق غزة كان لا يزال يحوي حتى تلك اللحظة سبع زعامات ومئة وسبع تيمارات،
وهو ما يضع مجمل الوارد الضريبي للسنجق سنويًا (بما يشمل مخصصات القاضي) ما بين
عشرة ملايين وثلاثة عشر مليونًا من الآقجة الفضية.[47]
وفَّرت
هذه المبالغ الطائلة مرونة لدى أمير سنجق غزة لتنفيذ ما أُنيط به من مهام، إذ مكنته
من تسليح فرقة عسكرية مكونة من 1150 عسكري من الفرسان أمَّت قلعة غزة الواقعة على
حد المدينة الشمالي في المنطقة الفاصلة بين المجموع الحضري وحدود البادية، وحمت
المدينة من أي هجوم أو محاولات نهب كما حوت عدة مخازن للعديد من البضائع، وأمنت
كذلك طريق قافلة الحج (الطريق الغزاوي) والقوافل البرية المار بغزة والواصل بين
مصر والشام وساعدت في تغطية تكاليف صيانتها الدورية، وساعدت في مساهمة باشوات غزة
في تمويل قافلة الحج الشامي في حالة مُنحوا امتياز إمارتها، وساعدت إيرادات (آل
رضوان) من أموال الضرائب في بناء وصيانة الكثير من المعالم العمرانية في المدينة،
أهمها عدد من المراكز التجارية كسوقها المركزي الذي بلغ عدد دكاكينه أكثر من ستمئة
دكان، وخاناتها المخصصة لتخزين البضائع المستوردة والمصدرة، وعلى رأسها خان الزيت
الأكبر والأكثر شهرة، وكذلك مساجد (زاد عددها عن السبعين، منها أحد عشر جامعًا)[48]، أحدها بناه (حسين باشا)
وسُمِّي باسم (مسجد الجمعة) وخصص لصلاة الجمعة التي أمها الأمير أسبوعيها، وقد جلب
الأمير المهندسين لتصميمه وبناءه من دمشق والقدس والقاهرة، بالإضافة إلى مقامات
مقدسة وحمامات عامة وحدائق خاصة بالأمراء ومنازل وقصور قاموا ببنائها أو صيانتها
وترميمها.
ضمت غزة
ستة أحياء فصلت فيما بينها البساتين، وبلغ عدد منازلها في عهد (حسين باشا) حوالي
ألف وثلاثمائة على الأقل، وقد بُنيت من الحجر وكُسيت سقوفها بالكلس والطين، وقد شاهد
كل من (أوليا جلبي) و(دارفيو) في بعض المواقع بعضًا من آثار غزة في العصور القديمة،
منها سورها المتهدم، وقد استعيض عن الأسوار، بحسب مشاهدات (دارفيو)، بمتاريس
ترابية عالية يتزايد ارتفاعها بردم الأنقاض فوقها، وقد ذكر (دارفيو) أن (حسين
باشا) قد سيطر على الساحل حتى يافا بجميع منافذه البحرية، وأنه تولى مسؤولية رعاية
طريق الحج الواصل بين يافا والقدس، وقد اضطر الحجاج الأوروبيون الذين اعتادت سفنهم
على الرسو في مرفأ يافا إلى الحصول على تصريح من الباشا للتنقل داخل البلاد
والوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم.
تولى
(إبراهيم باشا) ابن (حسين باشا) حكومة القدس في وقت غير محدد بدقة من خمسينات
القرن السابع عشر، وقد تولى إمارة سنجق غزة في بين العامين 1659 – 1660 عوضًا عن
أبيه الذي تولى إمارة نابلس وقافلة الحج لمدة عامين، وفي ذلك دليل آخر استمرار
سطوة (آل رضوان) داخل فلسطين وتقدير الباب العالي لما راكموه من نفوذٍ في المنطقة،
وقد توفي (إبراهيم باشا) في البقاع أثناء مرافقته للوزير (أحمد باشا كوبريلي)[49] خلال حملة قادها على
المعنيين والشهابيين في جبل لبنان، وعاد (حسين باشا) بذلك لتولي إمارة سنجق غزة
مرة أخرى، ومن المرجح أنه قبل وفاته قد حصل على إمارة سناجق نابلس والقدس، حتى
أنها اعتُبرت في ذلك الوقت لواءً واحدًا، وقد أورثها إلى أخيه (موسى باشا) الذي
تولى الحكم خلفًا له بعد إعدامه.[50]
انتهى
حكم (حسين باشا) في 1663 بعد وشاية اتهمته بإهمال طرق القوافل، وتكاسله عن تقديم
الرعاية والحماية لقافلة الحج،[51] ويذكر (دارفيو) في ترجمته
للباشا أن السبب في مقتله كان تساهله مع الأقليات المسيحية وتعاطفه مع المنظمة
الكاثوليكية الصليبية المنشأ، والمعروفة باسم (أوصياء الأرض المقدسة Custodia
Terræ Sanctæ) والسماح لهم ببناء الكنائس، إضافة إلى اتفاقه مع
الفرنسيين على تسليمهم السيطرة على الأماكن المسيحية المقدسة، والمرجح أن السبب
الرئيسي لإعدام (حسين باشا) كان العلاقات الوطيدة التي بدأ بإرسائها مع التجار
الأجانب، والفرنسيين منهم بخاصة، إذ بدأ بإقراضهم المال لتجارتهم بدون فائدة، ومنح
بعضهم احتكار استيراد بعض البضائع مثل مادة السنا التي كانت تصل غزة من الحجاز عن
طريق قافلة الحج،[52]
والجدير بالذكر هنا أنه وفي خضم الإصلاحات الإدارية التي بدأ بفرضها الصدور العظام
من (آل كوبريلي)،[53]
بدأت السلطات العثمانية بتجريد الحكام المحليين ونخبها المنتدبة في الإيالات
والأقاليم البعيدة عن المركز من سلطاتها الإدارية من خلال موجة لمركزة النفوذ
السياسي في يد العاصمة، ولذا فقد أبدت أقصى درجات الحذر من أي حاكمٍ محلي يُبدي
تشعبًا في علاقاته الدولية بما يعنيه ذلك من ممارسته للسياسة خارجًا عن الحدود
التي رسمتها له مسبقًا السلطات في إسطنبول، فتجربة حاكم جبل لبنان المتمرد (فخر
الدين المعني الثاني)[54] لم تكن عنهم ببعيدة، ولم
يكونوا في ذلك الوقت، وخاصة في ظل هيمنة شبح الحرب مع الإمبراطورية الرومانية
المقدسة في وسط أوروبا، ليسمحوا بافتعال أي أعمال تمردٍ داخلية. أُلقي القبض على
(حسين باشا) وصودرت أمواله وحُبس في قلعة دمشق قبل أن يُنقل بأصفاده إلى العاصمة
إسطنبول إذ نُفذ بحقه هناك الحكم بالإعدام.[55]
تولى
(موسى باشا) إمارة سنجق غزة بعد أخيه (حسين باشا) في 1663، وقد وُصف في كتاب وقفه[56] على أنه "المتصرف
بمدينة غزة هاشم ولوائها من القدس والخليل والرملة ويافا ونابلس وأمير الحج
الشامي"، ويظل احتمالًا قائمًا أن (موسى) قد ورث حكم هذه المناطق مجتمعةً عن
أخيه (حسين) وإن لم يرد ما يثبت ذلك، وقد شحت المصادر بالمعلومات عن (موسى باشا)
ولم تذكر سوى أنه اعتدل في تعامله مع الأجانب والمسيحيين[57] وتولى إمارة الحج لموسم
واحدٍ على الأقل (في 1674) وأنه ظل في إمارة سنجق غزة لما قبل العام 1679،[58] وقد تولى (أحمد باشا
الصغير) ابن (مصطفى بك) إمارة سنجق غزة بعد وفاة عمه (موسى)، ولم يذكر عنه سوى أنه
حكم غزة والقدس وظلت إمارته مستمرة حتى تسعينات القرن السابع عشر، وطبقًا لما ذكره
الطباع، فإن (أحمد باشا) "امتدت ولايته وطالت مدته إلى أوائل القرن الثاني
عشر [الهجري]".[59] كان (أحمد باشا الصغير)
آخر باشوات (آل رضوان) في غزة وفلسطين، وقد انتقلت إمارة غزة من بعد وفاته إلى
عائلة مكي العربية (الحلبية الأصل) والتي استمرت في حكم غزة حتى خمسينات القرن
الثامن عشر، وكان حكامها أول أمراء من أصل عربي يحكمون المدينة منذ عدة قرون.
على سبيل
الخاتمة: غزة ما بعد الباشوات
تمتعت
غزة بمزايا الحكم المستقر تحت مظلة (آل رضوان) لما يزيد عن مئة وخمسة وعشرين سنة
على الأقل، وقد شهد عمرانها واقتصادها نهضة مشهودة في ظل انتشار قبضة أمنية محكمة
أمنت موقع غزة الاستراتيجي كحلقة وصلٍ بين ثلاثة أقاليم عثمانية، سورية ومصر
والحجاز، والتي ربطت فيما بينها شبكة تجارية إقليمية كانت ضمن الأوسع داخل الفضاء
العثماني العربي، لقد أحسن (آل رضوان) استغلال موقع غزة وساهموا في استعادتها لشيء
من مكانتها المفقودة كمدينة تجارية ومركز للنفوذ السياسي في فلسطين، وحولوها إلى
عاصمة للإقليم الممتد من العقبة إلى جبل نابلس وما يوازيه من ساحل المتوسط.
تزامنت
نهاية (آل رضوان) في غزة مع بداية التراجع الكبير للإمبراطورية العثمانية في
أوروبا بعد الهزائم المتلاحقة التي ألحقتها بها الإمبراطورية الرومانية المقدسة
والتي تُوجت بتوقيع العثمانيين والنمساويين لاتفاقية (كارلوفيتز) المذلة في 1699،
والتي توقف على إثرها التقدم العثماني في أوروبا وانتقل إلى طور التراجع، وقد
ترافقت هذه الهزائم مع ضعف في السلطة المركزية ونفوذها في الإيالات، وضعفٍ لازم
نخبها المنتدبة هناك، وازدياد نفوذ القوى المحلية وإعادة تشكيلها للعلاقة مع
المركز بما يتناسب مع مصالحها، وفي بعض الأقاليم تمكنت من إنشاء أنظمة حكم ذاتي
تحت المظلة العثمانية، نجحت في استلاب النفوذ من المركز وحيازة الاستقلال عنه
بدرجات متفاوتة، مثل آل الجليلي في الموصل، والزيادنة في الجليل، والمماليك في
القاهرة بقيادة (علي بك الكبير)، إلا أن ذلك لم يكن، بأي حال، مصير غزة، التي
تراجعت مكانتها مرة أخرى في ردة ذكَّرت بوضع المدينة في نهايات العهد المملوكي،
فقد فقدت غزة نفوذها على سناجق فلسطين، بل وفقدت نفوذها على منفذها البحري الأهم
المتمثل في يافا، والذي تحول إلى جزء من نطاق نفوذ مشايخ جبل نابلس، وتحول كذلك
إلى حلقة وصل بين الإقليمين الشامي والمصري، حيث أصبح الخط البحري بين يافا ودمياط
أهم طريقٍ للتجارة بين المنطقتين، وفقد طريق القوافل البري أهميته مع الوقت، وكان
قد المدعى الأساس لذلك، بما لا يثير الدهشة، هو اضطراب الأمن وفقدان مركز الحكم في
غزة لسيطرته على القبائل البدوية. وقد شرح الفقيه المصري أسعد مصطفى اللقيمي، الذي
مر بغزة في 1731، الوضع العام في المدينة بشعر موجز وبليغ فقال:
"يا
ويــــح غزة إذ أوهــــــــــــــــــــــــت مرابــعــــــــــــــهــا *** إلى
الحضيض وقد ناحت سواجعها
فأصبحت
من سطا الأعراب خاوية *** عـــلـــــى العـــــــــــــــروش
مخيفــــــــــــــاتٍ بلاقعُها"[60]
مع الأخذ
بالاعتبار أن إقامة اللقيمي في غزة مُهَّد لها بكل سبل الراحة الممكنة بسبب صداقته
مع أميرها (محمد بك مكي). يستمر هذا التراجع في مكانة غزة السياسية والاقتصادية بإطراد
حتى منتصف القرن التاسع عشر، وتعم الفوضى خلال هذه الفترة عموم فلسطين بالكامل
بسبب انتشار النهب والسلب وتراجع الأمن على الطرق وارتفاع سطوة القبائل البدوية في
عموم البلاد بدون أي رادعٍ تقريبًا، وخلال تلك الفترة تفقد غزة مكانتها السياسية
لصالح نابلس، بعد أن قضت كلتا المدينتين عقودًا طويلة في تبادل المواقع كمراكز
للنفوذ السياسي بالنسبة لفلسطين، قبل أن تظهر عكا على الساحة كقوة سياسية ضاربة في
عهد الزيادنة، وكثيرًا ما جُمعت كلتا المدينتين، نابلس وغزة، تحت سلطة ونفوذ (آل
رضوان) الذين تمكنوا بواسطة علاقتهم المميزة بالباب العالي من تشكيل وحدة سياسية
متينة داخل السناجق الفلسطينية في إيالة دمشق.
يتحسن
وضع غزة الاقتصادي والسياسي مرة أخرى خلال القرن التاسع عشر، ولكن تظل غزة حبيسة
موقع التبعية وتعجز عن الحصول مرة أخرى على دور سيادي، وعلى الرغم من استفادة
المدينة من انخراط فلسطين إجمالًا في شبكة اقتصادية دولية وتحولها إلى مصدر للعديد
من المحاصيل التجارية المصدرة لأوروبا، إلا أن حصول أعيانها ووجهائها على دور في
الحياة السياسية داخل الفضاء العثماني قد ارتبط بقدرتهم على إرساء علاقة وثيقة
بالنخبة الفلسطينية البرجوازية الناشئة حديثًا في القدس، والتي تبعت غزة لولايتها
في ذلك الوقت.
قائمة
المراجع
ابن
إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع
الدهور، كتاب الشعب، القاهرة، 1960 – 1961.
ابن عبد
الظاهر، محيي الدين عبد الله: الألطاف الخفية من السيرة
الشريفة السلطانية الأشرفية، Moeller،
لايبزغ، 1902.
ابن
الفرات المصري، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم: الطريق
الواضح المسلوك إلى معرفة تراجم الخلفاء والملوك، مجلد
7، المطبعة الأمريكانية، بيروت، 1942.
أوزتونا،
يلماز: تاريخ الدولة العثمانية (مجلدان)، منشورات
مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988.
بيات،
فاضل: الدولة العثمانية في المجال العربي؛ دراسة
تاريخية في الأوضاع الإدارية في ضوء الوثائق العثمانية حصرًا (مطلع العهد العثماني
– أوائل القرن التاسع عشر)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007.
رافق،
عبد الكريم: قافلة الحج الشامي وأهميتها في العهد العثماني،
مجلد دراسات تاريخية، تشرين الأول 1981، ص 5 – 27، جامعة دمشق، دمشق، 1981.
رافق،
عبد الكريم: جوانب من التاريخ العمراني والاجتماعي
والاقتصادي في غزة 1273 – 1277 / 1857 – 1861، مجلة دراسات تاريخية، نيسان
1982، ص 7 – 49، جامعة دمشق، دمشق، 1982.
رافق،
عبد الكريم: فلسطين في عهد العثمانيين (1)، الموسوعة
الفلسطينية، القسم الثاني، مجلد 2، ص 695 – 848، هيئة الموسوعة الفلسطينية، بيروت،
1990.
زكار،
سهيل: فلسطين في عهد المماليك، الموسوعة
الفلسطينية، القسم الثاني، مجلد 2، ص 527 – 693، هيئة الموسوعة الفلسطينية، بيروت،
1990.
صافي،
خالد محمد: حاكم الجليل في القرن الثامن عشر؛ ظاهر العمر
الزيداني، المركز القومي للدراسات والتوثيق، غزة، 2005.
الطباع،
عثمان مصطفى: إتحاف الأعزة في تاريخ غزة (أربع مجلدات)،
مكتبة اليازجي، غزة، 1999
العارف،
عارف: تاريخ غزة، مطبعة دار الأيتام الإسلامية،
القدس، 1943.
العبدري،
محمد الحاحي: رحلة العبدري (أو الرحلة المغربية)،
منشورات جامعة محمد الخامس، الرباط، 1968.
القلقشندي،
أحمد بن علي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا،
المطبعة الأميرية، القاهرة، 1910 – 1920.
اللقيمي،
مصطفى أسعد: تهذيب موانح الأنس برحلتي لوداي القدس،
تهذيب وتحقيق رياض مراد، الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة، دمشق،
2012.
مبيضين،
مهند أحمد: كتاب وقف سليمان باشا العظم، مجلة
المنارة، المجلد 9، العدد 1، ص 35 – 67، جامعة آل البيت، المفرق، 2003.
المقريزي،
أحمد بن علي: السلوك لمعرفة دول الملوك، لجنة
التأليف والترجمة، القاهرة، 1970 – 1973.
الموسوعة
الفلسطينية: مادة (آل رضوان)، مجلد 2، ص 460 – 462، هيئة
الموسوعة الفلسطينية، بيروت، 1984.
Nicolle,
David; McBride, Angus: The Mamluks 1250 – 1517, Opsrey
Publishing, Oxford, 1993.
Yazbak,
Mahmoud: Europe, Cotton and the Emergence of Nazareth in
18th-Century Palestine, Oriente Moderno, 93, PP 531 – 546, Brill Publisher,
2013.
Petry,
Carl F: The Cambridge History of Egypt; Islamic Egypt, 640 –
1516, Volume I, Cambridge University Press, Cambridge, 2008.
[1]
هو السلطان سليم الأول [1470-1520]، تاسع سلاطين الدولة العثمانية، منذ 1512 حتى
وفاته؛ ياووز Yavuz: الجبار والحازم.
[2]
رافق (1990)، ص701.
[3]
الخبر لابن إياس وهو مقتبس في: العارف، ص168-172.
[4]
دوادار أو داودار: لقب مملوكي بمعنى (كاتب) أو (ناسخ) وكان الملقب به مسؤولًا عن
مراسلات السلطان. (ويكي)
[5]
جنود من الكتائب المملوكية من الدرجة الثانية، تم تجنيدهم من عامة الناس بدون
الدخول في عملية التربية والتجنيد المعتادة عند المماليك والتي تعتمد على تجنيد
الأطفال والمراهقين العبيد في سن مبكرة لضمان ولائهم لسيدهم، كان عددهم غفيرًا وقد
بلغ عددهم في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون 11 ألفاً. ربما سموا بذلك لأنهم
كانوا يحيطون بالسلطان أو بالأعداء. (ويكي)
[6]
الطباع، ج1، ص271.
[7]
مثلاً، اعتمد النقل التجاري بين سورية ومصر خلال معظم فترات العهد العثماني
(وبخاصة بعد بداية القرن السابع عشر) على الخط البحري الواصل بين مينائي يافا
ودمياط، وعلى الرغم من نشاط القراصنة المالطيين في مياه المتوسط، إلا أن خطر
التعرض للنهب والقرصنة كان أقل وطأة من خطر التعرض للنهب على يد القبائل البدوية
المرابطة على طول الطريق الصحراوي المار عبر سيناء، خاصة وأن أغلب المشتغلين
بالنقل البحري كانوا من الفرنسيين، والذين استطاعوا تأمين سفنهم في الغالب ضد
القرصنة بسبب اتفاقات الفرنسيين مع الحكومة المالطية بعدم التعرض للسفن الفرنسية.
[8]
زكار، ص572.
[9]
العارف، ص163 (رقم 2)؛ زكار، ص573.
[10]
العارف، ص162.
[11]
ابن عبد الظاهر، ص291-292.
[12]
العارف، ص162-163.
[13]
العبدري، ص 233.
[14]
زكار، ص633 و641.
[15]
المرجع السابق، ص576. وللمزيد عن قبائل المنطقة راجع: القلقشندي، ج4، ص204-215.
[16]
الطباع، ج1، ص277-278.
[17]
زكار، ص644.
[18]
ابن الفرات، ج7، ص225-226، المقريزي، ج1، ص689 وص699-700.
[19]
الطباع، ج1، ص278.
[20]
العارف، ص154، ويبدو أن تفشي الجراد قد حدد مصير السلطنة المملوكية، فقد تحاشى
تيمورلنك دخول فلسطين لعجزه عن تموين جيشه، كما أنه مستشاريه العسكريين تخوفوا من
عبور الصحراء في سيناء وأخبروه بأن العبور إلى مصر لن يتم بغير أسطول بحري.
[21]
زكار، ص577.
[22]
الطباع، ج1، ص277.
[24]
العارف، ص173.
[25]
أوزتونا، ج1، ص226.
[26]
على الرغم من أن سليم استطاع افتتاح القاهرة بسهولة، إلا أن طومان باي الذي أعاد
تنظيم صفوفه عاد ليفتكها من يده ويصمد داخلها لمدة زادت عن الستة أسابيع في حرب
عصاباتٍ شرسة، قبل أن يضطر لمغادرتها والتمركز خارج حدودها مع الإبقاء على نشاطه
ضد العثمانيين في أقصى درجاته، ألقى سليم القبض ختامًا على طومان باي بعد وشاية
دلته على مكان تمركزه، وأُعدم بعد فترة وجيزة وعُلق رأسه على باب زويلة. للمزيد
انظر: أوزتونا، ج1، ص229-230.
[27]
أوزتونا، ج1، ص235.
[28]
لا يُعرف بالضبط في أي وقتٍ انضم جان بردي الغزالي إلى العثمانيين، إلا أن المؤكد
أنه قد شهد معركة الريدانية إلى جانب سلطانه طومان باي وتسبب في إصابة سنان باشا
خلال المعركة، وهي الإصابة التي أخرجته من الخدمة كصدرٍ أعظم ودفعت سليم لاستبداله
بيونس باشا عوضًا عنه، ويبدو أن الغزالي قد انقلب على طومان بعد هزيمته من
الريدانية وهربه من أرض المعركة، ولا بد أن قدم للعثمانيين خدمات حيوية كانت من
الأهمية بمكان بحيث جعلتهم يستعينون به مرة أخرى لتنظيم الشؤون الإدارية في مناطق
نفوذه خلال حكم سيده السابق. انظر: العارف، ص174.
[29]
رافق (1990)، ص703.
[30]
الطباع، ج1، ص355.
[31]
الموسوعة الفلسطينية، 1/2/ص461 – 463 (مادة: آل رضوان).
[32]
الطباع، ج4، ص162؛ رافق (1981)، ص7.
[33]
رافق (4/1982)، ص9.
[34]
صافي، ص22؛ الموسوعة الفلسطينية، مصدر سبق ذكره
[35]
المرجع السابق.
[36]
المرجع السابق.
[37]
رافق (1990)، ص714؛ صافي، ص101.
[38]
العارف، ص197.
[39]
المرجع السابق، ص176.
[40]
الطباع، ج4، ص166.
[41]
العارف، ص176، وهو المعروف باسم (قصر الباشا) اليوم في وسط مدينة غزة، وقد حولته
وزارة الآثار إلى متحف.
[42]
بُني القصر على الأرجح في العهد المملوكي بناء على أوامر من السلطان (الظاهر ركن
الدين بيبرس البندقداري)، وقد أُضيف له طابق ثانِ في القرن السابع عشر، للمزيد
انظر: موقع (عرب 48): قصر الباشا في غزة... متحف الحضارات المتعاقبة (اضغط هنا)
[43]
الموسوعة الفلسطينية، مصدر سبق ذكره
[44]
العارف، ص176.
[45]
يقدم عارف العارف ترجمة عربية للمقطع الخاص بوصف غزة الوارد في كتاب (سياحة نا مه)
لأوليا جلبي الذي زار غزة في 1649، أنظر: العارف، ص178 وما بعدها، كما يقدم عبد
الكريم رافق ملخصًا لسجلات رحلة دارفيو لغزة والتي زارها في نهاية خمسينات القرن السابع
عشر، وذلك ضمن بحثه حول بلدانية فلسطين العثمانية في الموسوعة الفلسطينية، انظر:
رافق (1990)، ص743.
[46]
القرش العثماني يساوي مئة وعشرين آقجة فضية.
[47]
يُعد كل من الخاص والزعامة والتيمار التصنيفات الثلاثة لنظام الإقطاع العسكري
المستخدم في الإمبراطورية العثمانية حتى منتصف القرن السادس عشر على الأقل، وبحسب
النظام فإنه يُفرض على صاحب كل إقطاع تجهيز عدد من الجنود للحملات العسكرية بحيث
يكونوا على أهبة الاستعداد وتحت الطلب في أي وقت يطلبهم فيه الوالي أو السلطان،
ويُصنف الإقطاع على أنه (خاص) في حال بلغ وارده ما يزيد عن مئة ألف آقجة سنويًا،
ويصنف على أنه (زعامة) في حال بلغ إيراده ما بين عشرين ألف و99,999 آقجة، ويلزم
صاحب إقطاع الخاص والزعامة بتجهيز عسكري واحد مقابل كل خمسة آلاف آقجة من إقطاعه،
ويُصنف الإقطاع على أنه (تيمار) إذا بلغ إيراده ما بين 3000 و 19,999 آقجة سنويًا،
ويُلزم صاحب إقطاع التيمار بتجهيز عسكري واحد مقابل كل 3000 آقجة من إقطاعه، وبناء
على ذلك؛ فإن وارد غزة من الضرائب كل سنة (بحسب التفاصيل التي قدمها أوليا جلبي
بما يشمل من إيرادات الأمير وديوان القاضي وإيرادات التيمارات والزعامات) يتراوح
ما بين 10 ملايين و13 مليونًا من الآقجة. للمزيد راجع: بيات، ص77؛ العارف، ص179.
[48]
المقصود بالجوامع: المساجد التي تُقام فيها صلاة الجمعة.
[49]
الطباع، ج4، ص168.
[50]
المرجع السابق، ص170.
[51]
المرجع السابق، ص168.
[52]
الموسوعة الفلسطينية، مرجع سبق ذكره.
[53]
بدأ (آل كوبريلي) ولايتهم في منصب الصدارة العظمى في 1656 بتعيين (محمد باشا)
صدرًا أعظمًا في عهد السلطان (محمد الرابع)، واستمروا في توارث المنصب حتى عزل
(نعمان باشا) عن المنصب في 1711.
[54] تولى فخر الدين المعني بن قرقماز إمارة جبل لبنان في 1590 وأظهر التحدي
للمركز العثماني حتى 1612 عندما قرر الهرب خوفًا من بطش الباب العالي وأصبح لاجئًا
في دوقية توسكاني، وقد عاد بعد عدة سنوات بعد إرساء علاقات مميزة بعدد من الحكام
الأوروبيين وراكم ما يكفي من القوة ليستقل بإمارته عن الباب العالي ويفرض حكمه على
جزء كبير من سورية، اضطرت السلطات العثمانية لمهادنته لبعض الوقت قبل أن يجرد ضده
السلطان (مراد الرابع) حملة عسكرية أنهت حكمه في جبل لبنان وقوضت من نفوذ عائلته
فيه.
[55]
الموسوعة الفلسطينية، مرجع سبق ذكره.
[56]
كتاب الوقف: وثيقة شرعية تُسجل بسجلات المحاكم الشرعية توضح كل ما يترك بعد الوفاة
من أملاك موقوفة لعمل الخير، وتشمل فاتحتها تعريفًا بصاحب/ة الوثيقة، اسمه/ا
ونسبه/ا ووظيفته/ا وألقابه/ا ويتلو ذلك ما تُرك من أوقاف مصنفة حسب أنواعها. انظر:
مبيضين، ص36.
[57]
جدير بالذكر أن المقصود بالمسيحيين هنا هم الكاثوليك، وبشكل أخص الرعايا الأوروبيين
الذين أقاموا في الأرض المقدسة تحت رعاية تنظيمي (أوصياء الأرض المقدسة) و(الرهبنة
الفرنسيسكانية)، وكان آباء الأرض المقدسة (ذي المنشأ الصليبي) وفرسان الرهبنة
الفرنسيسكانية (ذي المنشأ الإيطالي) على علاقة وطيدة بالحكومة الفرنسية وسعيا
بالتعاون معها إلى وضع يدهم على الأماكن المقدسة في فلسطين (في القدس والناصرة
وبيت لحم تحديدًا) وقد دعمتهم الحكومة الفرنسية كوسيلة للحصول على موطئ قدم داخل
سورية ولدعم تجارتهم فيها، خاصة وأن الفرنسيين اعتبروا أنفسهم مسؤولين عن حماية
الرعايا الكاثوليك داخل الإمبراطورية العثمانية في ضوء تفسيرهم لاتفاقيات
الامتيازات التي وقعوها مع إسطنبول. وحتى تلك اللحظة، كانت الإمبراطورية العثمانية
تستخدم الرعايا الأرثوذوكس وتقدم لهم الدعم، العرب منهم على وجه الخصوص، في سبيل
السيطرة على الأماكن المقدسة، من أجل مناقضة النفوذ الفرنسي المتسلل عبر الجالية
الكاثوليكية. للمزيد، راجع: Yazbak (2013).
[58]
الطباع، ج4، ص170 – 172.
[59]
المرجع السابق، ص172.
[60]
اللقيمي، ص87.